أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
االصفحة الرئيسية > تقويم الأعياد والمناسبات
  إيجــاد ورفــع الصليــب الكريــم

 لصليبـك يا سيدنـا نسجـد..ولقيامتـك المقدسـة نسبـح ونمجـد، آميــن

تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد الصليب الكريم مرتين كل عام، الأولى تذكاراً لوجوده في من قِبَل القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير في 14/أيلول/325، والثانية عندما حرره الإمبراطور هرقل من الأسر الفارسي عام 628.

المناسبــة الأولى:

فبعد انتصار الإمبراطور قسطنطين الكبير على أعدائه الفرس وعملاً بالرؤيا التي ظهرت له في السماء، وهي علامة الصليب وقد كتب تحتها عبارة مفادها "بهذه العلامة تغلب"، فوضعها على ثياب جنوده وعلى كافة أسلحته فانتصر على أعدائه وعاد مظفراً من ساحة القتال، وأعلن بأن دين الدولة هو المسيحية عوضاً عن الوثنية، فازدهرت البلاد بالكنائس والمعابد والأديار والرهبانيات، وأعطيت الحرية التامة لجميع المسيحيين في جميع أنحاء الإمبراطورية للممارسة طقوسهم وعبادتهم.

وذات يوم تحدثت الملكة هيلانة الأم إلى ابنها الإمبراطور قسطنطين الكبير وقالت له :

" يا بني، ها انكَ قد أعطيتَ الشعب حريته في ممارسة العبادة والصلاة، ولكننا لا نعرف أين هو الصليب المقدس الذي رُفع عليه الرب يسوع لنرفعه على الكنائس "

فما كان من الإمبراطور إلا أن أمر حاشيته بتجهيز المال والعتاد والرجال وتسيير قافلة إلى الأراضي المقدسة في فلسطين للبحث عن مكان وجود الصليب، وكانت الأم القديسة على رأس القافلة متخذة من قمم الجبال محطات لها وعيّنت على كل منها عدداً من الجند وقالت لهم :

"إن شاهدتم النار على قمة الجبل الذي أمامكم يدل هذا إلى أن صليب الرب يسوع قد وُجد، فما عليكم إلا أن تشعلوا انتم النار أيضاً ليشعلها من يليكم وهكذا إلى أن تصل إلى القسطنطينية".

وكان للملكة خادمة يهودية من القدس اصطحبتها معها لتلتقي أبويها في القدس لتستفيد منها في مهمتها المقدسة للتأكد من مكان وجود الصليب الكريم، فوصلت القافلة إلى القدس والتقت الخادمة اليهودية بأبيها وسألته عن مكان وجود الصليب، مستنداً على ما يعرفه من أسلافه عنه، فأجابها بأنه موجود مع الصليبين الآخرين بأمر الرومان تحت تلة من النفايات في بستان الريحان، فراحت الملكة تنثر القطع الذهبية على تلة النفايات وطلبت من السكان أن يأخذوا من هذه القطع ما يريدون وان يحفروا مكانها، إلى أن ظهرت الصلبان الثلاثة، فاحتارت الملكة في أمر صليب الرب يسوع لأن الصلبان الثلاثة متشابهة تماماً، فطلبت ثلاثة أموات قد دفنوا حديثاً ووضعت كل واحد على صليب، فإذا بأحدهم يفتح عينيه ويرفع يده اليمنى شهادة للرب يسوع، وللحال صرخ الحضور:

" هــذا هــو صليــب الــرب يســوع "

في الحال أمرت الملكة بإشعال النار على قمة جبل الجلجلة إعلاناً للنبأ السار والمفرح، فلما رأى الجند المتواجدون على قمم الجبال الأخرى النار المشتعلة راحوا هم أيضا يشعلون النار بدورهم وصولاً إلى القسطنطينية، وهكذا علم الإمبراطور قسطنطين الكبير وكل من هو داخل الإمبراطورية النبأ السعيد.

نُقل الصليب المقدس إلى القسطنطينية في 14/أيلول من ذلك العام.

وما زالت وبكل فخر واعتزاز تحتفل بلدة معلولا بذكرى هذا الحدث العظيم من كل عام، لأن احد جبالها قد حظي بشرف إشعال النار عليه والاشتراك في إيصال نبأ العثور على الصليب المقدس.

وإكراماً لهذه المناسبة العظيمة فقد فرضت الكنيسة الصوم الكامل في هذا اليوم ومنعت فيه إجراء الأكاليل والاحتفالات العامة. 

المناسبــة الثانيــة:

عــودة خشبــة الصليــب الكريــم من الأســر عام 628

في عام 614 ميلادية وتحديداً في يوم 22/كانون الثاني أغار الفرس على مدينة أورشليم المقدسة، وعملوا بها سلباً ونهباً وقتلاً وسبياً للنساء وهتكاً لأعراضهم، وأسروا عدداً كبيراً من المؤمنين ورجالاً من الإكليروس، من رهبان وكهنة ومن بينهم بطريرك أورشليم وقادوهم أسرى إلى بلاد فارس مهانين معذبين في السجون، ومن بين الأسرى خشبة الصليب المقدسة التي صلب عليها رب المجد فداءً لنا وخلاصاً من عبودية الشيطان.

وفي عام 628 أغار إمبراطور القسطنطينية هرقل على فلسطين وانتصر على الفرس، وأعاد كل ما بقي من الأسرى أحياء في السجون، ومن بينهم عود الصليب المقدس، وتوجه بهم إلى مدينة القسطنطينية، وعندما وصل الإمبراطور إلى القسطنطينية حمل الصليب على كتفيه واتجه به الى كاتدرائية الحكمة المقدسة (آيّا صوفيا) وهو مرتدياً ثيابه الملوكية ومتبرجاً بالحلي والأوسمة الإمبراطورية وأكاليل النصر تزين رأسه ومحاطاً بفيالق ضباط جيشه وأفرادهم، وجميع رجال الإكليروس من رهبان وراهبات وكهنة ورؤساء كهنة وعلى رأسهم بطريرك القسطنطينية مصطفين على جانبي الطريق المؤدية إلى الكاتدرائية العظيمة التي بناها الإمبراطور قسطنطين الكبير، والجموع الغفيرة من المؤمنين قد ملئوا جميع الشوارع والطرق وهم يرتلون وينشدون التراتيل المقدسة احتفالاً بعودة عود الصليب سالماُ إلى كنيستهم وديارهم، ودموع الفرح والبهجة الغزيرة المنهمرة من عيونهم كانت أشد تعبير عن هذا الحدث العظيم.

وصل الإمبراطور المنتصر إلى الكاتدرائية والصليب الكريم محمولاً على كتفيه مفتخراً بنصره العظيم ومرتدياً الثياب الملوكية الرسمية ومتبرجاً بأفخر ما لديه من أوسمة وحلي وجواهر، وعند باب الكاتدرائية حاول الدخول به إلى داخلها، إلا أنه شعر بقوة خفية عظيمة تدفعه إلى الوراء وتمنعه من الدخول، فتعجب وأعاد الكرة عدة مرات ولكن دون جدوى، فلاحظ ذلك بطريرك القسطنطينية فقال له:

"يا صاحب الجلالة..إن الرب يسوع عندما حمل خشبة الصليب كان شبه عار من الثياب وليس متبرجاً باللباس الملوكي والأوسمة والجواهر مع أنه ملك الملوك، وبل كان مهاناً ومذلولاً دالاً على تواضعه واستسلامه للجلد والآلام الطوعية، وجلالتك ترتدي أفخر الثياب وأغلى الأوسمة والأحجار الكريمة وتحمل الصليب الكريم وعلى رأسك إكليل الغار معتزاً بنصرك على أعدائك وتريد الدخول به إلى الكاتدرائية، هذا ما لا يرضى به الرب يسوع أبداً" .

فانتبه الإمبراطور إلى هذه الملاحظة العظيمة التي فاتته، وسلَّم خشبة الصليب للبطريرك مؤقتاً وعاد مسرعاً إلى القصر وارتدى ثياباً رثة، وخلع عن صدره جميع الحلي والأحجار الكريمة وأوسمة النصر، وأكاليل الغار عن رأسه، وعاد فحمل الصليب ودخل به الكاتدرائية على أصوات الترانيم المقدسة بكل ورع وتواضع وخشية ودموعه تنساب على خديه ونصبه في وسطها، ثم ركع أمام وقبله وصلى شاكراً الرب يسوع الذي صُلب عليه على مؤازرته في نصره على أعدائه الذين أذلوا صليبه المقدسة وشعبه المؤمن، وراح المؤمنون كل بدوره يركعون أمامه ويقبلونه ويتباركون منه أفواجاً أفواجاً، وهم يرتلون بصوت واحد:

خلــص يــا رب شعبــك وبــارك ميراثــك، وامنــح عبيــدك المؤمنيــن الغلبــة على الأعــداء، واحفــظ بقــوة صليبــك جميــع المختصيــن بــك.

وفي هذا العيد العظيم الذي تعيّد له الكنيسة شرقاً وغرباً وتحتفل به احتفالاً مهيباً حيث تُرفع الصلبان في كل الكنائس وتزيّحها وهي مغطاة بالورود والرياحين مرتلين التراتيل والأناشيد المقدسة وهم يطوفون به في الكنيسة وخارجها محاطاً بالأزهار والرياحين والعطور الثمينة.

فلصليبــك يا سيدنــا نسجــد، ولقيامتــك المقدســة نسبــح ونمجــد، آميـــن.

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم