أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
االصفحة الرئيسية > تقويم الأعياد والمناسبات
  العنصرة

مبارك أنتَ أيها المسيح إلهنا، يا مَنْ أظهرتَ الصيادين غزيري الحكمة، إذ سكبتَ عليهم الروح القدس، وبهم اقنصتَ المسكونة يا محب البشر المجد لك.

كان ذلك اليوم الذي يحتفل فيه اليهود بذكرى تلقي النبي موسى لوحي الشريعة أي الوصايا العشر على جبل سيناء وكانت أورشليم أيضاً تعج بالغرباء، وباليهود القادمين من جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك، وكان يطلق عليهم "يهود الشتات" كي يحتفلوا بالعيد.

قبل ذلك بأيام، كان التلاميذ وعددهم مائة وعشرون مجتمعون حول الرسل وأم يسوع، قد انكبوا بناءً على طلب القديس بطرس على اختيار الرسول الثاني عشر، ليقوم مقام يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه، فاقترحوا اثنين منهم وهما "بسطوس، ومتياس" اللذين كانا قد رافقا الرسل منذ أن اعتمد يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى يوم صعوده إلى السماء واللذين يستطيعان أن يكونا شاهدين على قيامته، وبعد أن صلوا حتى يُظهر لهم الرب من اختار منهما اقترعوا فوقعت القرعة على متياس، فأحصيَ مع التلاميذ.

كان التلاميذ في أورشليم كما أوصاهم يسوع بذلك، ينتظرون مجيء المعزي الآخر الذي وعدهم به يسوع قبل صعوده إلى السماء، وكان هذا الانتظار مفعماً برجاء وفرح، وكانوا سيعرفون أخيراً ذاك الذي قال عنه يسوع:"انه خير لكم أن اذهب، فإن لم اذهب لا يأتيكم المعزي، أما إذا ذهبت فأرسله لكم"(يوحنا 7:16)، وبما أن يسوع ذهب وجلس عن يمين الله الآب فهو حتماً يفي بوعده.

وكان يوم الخمسين كما قلنا، هو يوم التعييد لإعطاء موسى الشريعة، وفي ذلك اليوم بالذات تمم يسوع وعده ووهبهم الروح القدس كما ورد في يوحنا (17:1): "إن الناموس بموسى أعطيَ، وأما النعمة والحق فبيسوع صارا".

فلماذا إذاً اتخذ الروح القدس "هيئة ألسن نارية" ؟..

نحن نتكلم باللسان، ولسان النار يُمثل بشكل ما لسان الله، والذي يحل عليه هذا اللسان أي "كلام الله" يصبح حاملاً هذا "الكلام" بعد حلول "الروح" عليه، ولهذا باشر بطرس عمله في إعلان قيامة المسيح في حين أن الآخرين كانوا ينشرون أعاجيب الله وآياته.

إن هبة الروح القدس شخصية، يعني أن كل واحد من التلاميذ اقتبلها شخصياً، ومع ذلك فليس هناك إلا روح قدس واحد، والنار الإلهية نفسها هي التي تنزل على الجميع، لكنها تتوزع لتظهر أن كل واحد يتقبل الروح القدس الواحد ذاته.

ففي بابل تبلبلت ألسن الناس لكبريائهم واستغنائهم عن الله، فلم يعودوا يفهمون لغة بعضهم البعض، بل انقسموا وتبددوا، وتشتتوا، أما في اليوم الخمسين "فهبة الله الواحدة" هي التي تتوزع وتفيض على كل واحد بمفرده وتوحدهم من جديد، منذ الآن فصاعداً أعلن الرسل الذين اقتبلوا الروح القدس "الكلام" نفسه، أي كلام الله، وصار من يسمعهم يتكلمون يفهم ما يقولون، لأنهم أصبحوا يتحدثون بجميع اللغات، وسقطت الحواجز اللغوية بفعل كلام الله وحده الذي أصبح مفهوماً من الجميع بهبة الألسنة.

نزلت الألسنة النارية على الرسل فقط دون غيرهم لأن يسوع هو الذي أعدهم فقط لتقبل الروح القدس، أي على هؤلاء الذين كانوا مجتمعين بقلب واحد بالإيمان بالرب يسوع، إذ يجب الإيمان "بالواهب" لتقبل "الموهبة"، "فالروح" لم ينزل على البشر جميعهم "لأن العالم لا يستطيع أن يتلقاه لأنه لا يراه ولا يعرفه" كما يقول الرسول والإنجيلي يوحنا (يوحنا 17:14)، بل على الذين كان يسوع قد جمعهم لأنهم آمنوا به ونزل على الكنيسة، "والموهبة" هي "هبة" شخصية بكل تأكيد، يتلقاها كل واحد على حدة، لكن عندما يكون الجميع معاً وبالضبط لما أتى اليوم الخمسون وكانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد طرأ عليهم تحول جذري، فهم وعوا فجأة "كلام الله" في قلوبهم، وباشروا في نشر عجائب الله وآياته بجميع الألسن، ومن هنا كلام بطرس الرسول الذي أعلن فيه بجرأة قيامة المصلوب للذين صلبوه بالذات.

إن حدث العنصرة مستمر، ونزول الروح القدس متواصل منذ ذلك الحين وحتى نهاية الأزمنة، ليعيّن شهوداً لقيامة المسيح، على حد قول القديس سمعان الجديد.

هكذا فإن جماعة من الشهود على قيامة المسيح، هؤلاء المختارون الحاليون الذين يعيّنهم الروح القدس، هم قوام الكنيسة، وكل واحد منا مدعو لأن يكون احد هؤلاء "المختارين"، فالكنيسة هي "العنصرة" المستمرة، لا فرق فيها بين مؤمن وآخر إلا بالإيمان والتقوى، والجميع مدعوين لها دون تمييز لأن الرب جاء للجميع لأنه خالق الجميع.

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم