أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
 الصفحة الرئيسية > الكنيسة > تاريخ كنسي
الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية                                                                       المطران بولص خوري

كانت الكنيستان الشرقية والغربية متحدتين في الإيمان حتى القرن العاشر، حينما انفصلتا لأسباب أهمها ميل أساقفة روما إلى التسلط على الكنيسة كلها، وقد ورثوا هذا الميل عن قياصرة روما التي كانت عاصمة العالم كله في ذلك العصر.

ومنذ القرن الثاني للمسيح أبدى أسقف روما رغبته في بسط رئاسته على الكنائس كلها شرقاً وغرباً، فقاومته الكنائس الغربية ردحاً من الزمن ثم رضخت له، وأصبح أسقف روما الرئيس الأعلى للكنيسة الغربية.

أما الكنائس الشرقية فقد قاومت هذا الميل منذ ظهوره، وعندما أصبحت القسطنطينية عاصمة المملكة الجديدة عام 330 أصبح أسقف القسطنطينية المنافس الرهيب لأسقف رومية.

وعندما أعطى المجمع المسكوني الرابع عام 451 حقوقاً إكرامية إلى أسقف القسطنطينية مساوية لحقوق أسقف روما الإكرامية بالقرار القائل:
    "كما أن لأسقف روما حق التقدم على أساقفة الغرب، هكذا فليكن لأسقف القسطنطينية حق التقدم على أساقفة الشرق".
    عندئذ تمت أسباب المنافسة بين الأسقفين وابتدأ النزاع.

لم يكن النزاع نزاع عالمين:عالم الشرق وعالم الغرب، بل كان نزاع مبدأين مبدأ السيادة ومبدأ الحرية، ومن المحزن حقاً انه كان نزاع بين شقيقتين من أم واحدة، هي الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.

وعندما قضت الأحوال المحلية في أواسط القرن التاسع باستقالة اغناطيوس من كرسي بطريركية القسطنطينية وانتخاب علامة عصره صاحب المؤلفات الغزيرة فوتيوس الكبير بطريركاً بدلاً منه، بعد أن تدرج في الدرجات الكهنوتية الثلاث وانتخابه بصورة قانونية، ظن البابا نقولا الأول أنها الفرصة السانحة للتدخل في شؤون الكنيسة الشرقية وبسط سلطته عليها.

لذلك وجه البطريرك فوتيوس الرسالة السلامية وفقاً للعادة المتبعة حتى اليوم إلى بطاركة الشرق والى بطريرك الغرب بابا رومية فتلقى من الجميع أجوبة التهنئة بانتخابه بطريركاً، أما البابا فقد كتب إلى الملك ميخائيل الثالث يحتج له على إسقاط اغناطيوس وانتخاب فوتيوس، وكتب إلى فوتيوس رسالة ينكر عليه درجته الكهنوتية، مع أن إسقاط أو انتخاب البطاركة في الشرق لم يكن يتوقف على رأي أو موافقة البابا، ولم يكن في الكنيسة الشرقية قانون يمنع العلماني من الترقي إلى البطريركية بعد أن يتدرج في الدرجات الكهنوتية الثلاث، وأمثلة ذلك كثيرة، فقد انتخب كثيرون من العلمانيين بطاركة قبل فوتيوس منهم: البطريرك تاراسيوس عم البطريرك فوتيوس.

لم يحترم البابا تقاليد الكنيسة الشرقية بل تدخل في أمر ليس من صلاحياته وأراد أن يفرض رأيه بصورة الأمر، أما فوتيوس فكان رجلاً عاقلاً ومسيحياً حقيقياً لذلك أراد أن يتجنب الشر من اجل المحافظة على وحدة الكنيسة، فعقد مجمعاً عام 861 الذي اقر قانونية انتخابه في حضور الأسقفين الغربيين المرسلين من قبل البابا لتمثيله في المجمع، وأرسل قرار المجمع إلى البابا جواباً على رسالته ونصح فوتيوس البابا بأن يترك الخلاف على أمور إدارية لا تتعلق بالإيمان المسيحي حباً بوحدة الكنيسة جمعاء.

فقعد البابا مجمعاً في روما عام 863 وحرم الأسقفين اللذين اشتركا في التصديق على انتخاب فوتيوس، وأعلن أن انتخاب فوتيوس غير قانوني مدعياً السلطة على الكنائس جمعاء، فأثار سلوك البابا الشعب الأرثوذكسي وأهاج الخواطر ضده، إلا أن البطريرك فوتيوس بقي معتصماً بالصبر حتى تعددت الأسباب التي دفعته للدفاع عن حرية الكنيسة الشرقية واستقلالها، ولكن البابا أوفد بعثة من اكليروسه إلى بلغاريا لتسعى باستمالة الشعب البلغاري إليه بقصد فصل الكنيسة البلغارية عن البطريركية القسطنطينية وإلحاقها بروما، فأخذ رجال تلك البعثة ينتقدون الطقوس الشرقية ويرجون لطقوسهم الغربية.

عندئذ رأى البطريرك فوتيوس نفسه مضطراً للدفاع عن حرية الكنيسة الشرقية واستقلالها، فأصدر منشوره عام 867 إلى بطاركة الشرق يدعوهم إلى الجهاد المشترك، فالتأم المجمع في القسطنطينية عام 867 وكان من اول أعماله:
1- الحكم على البابا بالقطع من الكنيسة.
2- تجريده من درجاته الكهنوتية.
3- فرض الحرم الكنسي عليه.

وبلغ هذا الحكم إلى البابا فكان له تأثير بالغ عليه حتى انه لم يعش بعد ذلك غير سنة واحدة وتوفي.

إن فوتيوس الكبير هو من عظماء الكنيسة الشرقية وهو لم يسبب الانشقاق بين الكنيستين، بل الذي سببه هو بابا روما نقولا الأول، ولم يكن بإمكان فوتيوس أن يفعل غير ذلك لأن القضية تتعلق بمصير الكنيسة الشرقية كلها، ولو أن فوتيوس سكت عن عمل وتصرفات البابا لكانت الكنائس الشرقية الآن مستعبدة لبابا روما إلى الأبد، وبعبارة أخرى إن فوتيوس وقع بين شرين:
1- شر الانشقاق
2- وشر الاستعباد
، فاختار أهونهما.

غير أن الموقف الصريح والحازم الذي وقفته الكنيسة الشرقية لم يردع باباوات روما عن التدخل في شؤون الشرق، حتى اضطر البطريرك ميخائيل كيرولاريوس أن يعقد مجمعاً في القسطنطينية عام 1054 وهذا المجمع وضع حداً نهائياً لتدخلات باباوات روما، وحكم على الكنيسة الغربية بالانفصال عن الكنيسة الشرقية، وصادق كل بطاركة الشرق على هذه القرارات.

وهكذا تم الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية وهو اكبر مصيبة أصابت العالم المسيحي منذ نشأته، ومما ثبت الانشقاق وزاد العداوة بين الكنيستين هي الحملات الصليبية التي جاءت مبطنة بمحاربة المسلمين فتحولت إلى محاربة الأرثوذكسيين، فكانوا بمرورهم في الأراضي البيزنطية يحتلونها، وقد احتلوا العاصمة القسطنطينية فدخلوا كنيسة الحكمة المقدسة (آجيا صوفيا) وربطوا خيولهم في الأيقونسطاس، وارتكبوا الفواحش في الهيكل، ثم ذهبوا إلى أنطاكية وأقالوا البطريرك الأرثوذكسي وأقاموا بدلاً عنه بطريركاً لاتينياً.

كما أنهم اندسوا في المدن والقرى السورية واللبنانية يبثون روح التفرقة والشقاق بين المسيحيين والمسلمين، وبين المسيحيين أنفسهم جرياً على سياسة (فرِّق تسًد). ففككوا الدولة البيزنطية وأقاموا على أنقاضها مملكة لاتينية، وبقيت مملكتهم من 1204-1261 حينما حلها ميخائيل باليولوغوس، وخلال هذه المدة اضطهدوا الأرثوذكسيين اكليروساً وشعباً، وقُتلوا أعداداً كبيرة من الأبرياء، وأقاموا بطيركاً لاتينياً وأساقفة لاتينيين بدل الأرثوذكسيين، واعن لبابا نفسه رئيساً أعلى على الكنيستين الشرقية والغربية.

ولما هدد الأتراك قياصرة بيزنطية استنجد هؤلاء بالبابا الذي كان له نفوذ كبير على ملوك أوربا في ذلك الحين، ووعدوا البابا بإقناع الشعب الأرثوذكسي على الخضوع لسلطته، ولكن البطاركة الأرثوذكس رفضوا الخضوع للبابا وكان جوابهم تلك العبارة المشهورة:

" عمامــة محمــد ولا تــاج البابــا "

 

                                       

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم