يقول الرسول والإنجيلي يوحنا: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة...والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد".
(1يو 15:2-17).
في حين يقول لنا الرب يسوع: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، لأن لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم".(يو 16:3-17).
ألا يوجد تناقض ولو ظاهرياً بين الاثنين؟..
العالم الحاضر يتحدى المسيحي المؤمن كل يوم، وعلى المسيحي أن يتحدى بإيمانه العالم الحاضر، نعيش في عالم أكثر فأكثر مادي وفاسد، أفضل ما فيه اهتمامه بالعلم والتكنولوجيا، عالم يطغي عليه القلق والقساوة والضياع، مع غياب المحبة والرحمة، لا يمكن للمسيحي أن ينحرف إلى شهوة مثل هذا العالم، وفي الوقت نفسه عليه أن يشهد فيه(في هذا العالم) لحضور الله، الهرب من العالم ليس حلاً يُرضي الله، إذ الانتحار يناقض مشيئة الله، أما المتوحد فهو "يبتعد عن العالم ليتحد بالكل".
ويُطرح السؤال: كيف يشهد المؤمن للمسيح في عالم اليوم؟..
يبدو أن الشهادة الصامتة هي المطلوبة، المحبة الصامتة هي الفعالة، محبة كل الناس، كل الخلائق، كل الذين نلتقي بهم سواء كانوا من عائلتنا أم لا، من طائفتنا أم لا، من ديننا أم لا، من بلدنا أم لا، من رأينا أم لا....
نعكس نور القيامة لا عن تكبر بل بتواضع على مثال الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين، أمام الجميع وفي كل ظروف حياتهم.
علينا أن نقبل الإنسان الآخر كما هو، كما قبله المسيح، هو أيضا على "صورة الله" علينا نحن أولاً أن نتغير، أن نتوب، أن نمتلئ من النور الإلهي، ربما بعد نسك وموت، حينها نستطيع أن نذهب إلى الآخر بمحبة إلهية ونقبله كما هو.
الأرثوذكسي هو الذي يعيش في المسيح أينما وُجد، في حضرة الله الدائمة، الحياة البشرية واحدة لا تتجزأ، حياتنا واحدة، لا يليق بنا أن نعيش مسيحياً في الكنيسة وعالمياً في العالم، هذا كذب، انفصام، عدم صدق، من هنا أهمية الصلاة المستمرة "أيها الرب يسوع المسيح ارحمني"، صلة داخلية مستمرة مع الله، هكذا الرب يرافقنا في أعمالنا، في همومنا اليومية، في حياتنا كلها.
المسيحي اليوم هو الذي يعرف كيف يُصغي إلى الآخرين، خصوصاً إلى المحتاجين إلى معونته، هو كاهن أيضاً، يشارك آلام الآخرين، ضعفاتهم، يشهد لهذا العالم الساقط، هذا هو الكهنوت الملوكي، لا يكتفي بالسماع للآخرين، بل يحاول أن ينصح، أن يرشد، أن يُعزي، أن يعيد الثقة إلى القلوب، أن يلوم بلطف، أن يجتنب أعمال اليأس.
نحن بدورنا ضعفاء، لسنا قديسين، لسنا "طاهرين"، نحن خطأة نسقط دائماً من جراء ضعفنا البشري، نعود وننهض بقوة الروح القدس، لذلك علينا أن نسامح على الدوام، أن ننسى، أن نحب.
"إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي" (متى 14:6).
"أن نقبل الآخر كما هو" هذا يعني أيضاً أن نصلي من اجله، أن نذكره في قلبنا أمام الله.
هذه المعاملة مع الآخر تكون كلها بحرية تامة، بدون ضغط، بدون عنف، طبعاً هذا لا ينفي التربية بتمييز.
أيوجد أحلى وأجمل من الحرية في المسيح؟..
ألا يميز ذلك حياتنا الروحية الداخلية، حضارتنا نحن المسيحيين؟..
لماذا تسلط الكنيسة على نفوس البشر؟..
هذا ينافي الروح الإنجيلية، هذا ينفر الكثيرين، كذلك التكبر والتجبر والترف والاحتفالات العالمية، والبروتوكول الرسمي في الكنيسة، روح العالم هذا العدو المتربص أمامنا في كل وقت.
يا رب..أعطني أن أحيا ببساطة، بساطة المسيح وفقره في العالم.
أعطني أن اقبل كل إنسان، الذي يحبني والذي بغضني.
علمني كيف أتواضع انا الشقي، الأناني، المتكبر.
علمني أيضاً كيف أكون صادقاً لا متصنعاً كاذباً، بتمييز بصمت بمحبة كيف اقبل كل إنسان.
أرشدني إلى محبتك.
علمني كيف أصلي بروحك القدوس، كيف أتوب عن خطاياي الكثيرة.
أعطني يا رب روح التوبة في آخر أيام حياتي، والرجاء الكبير بلقياك أنت المشتهى الأكبر إلى الأبد، آميــن.