الفكرة واضحة، يقال أن المسيح حل محل البشرية الخاطئة واخذ على عاتقه العقاب المعد لها، فجعل من حياته ذبيحة تكفيرية، لا بد أن تعاقب البشرية الخاطئة، فنحن أمام إله يعاقِب، وان كان الله يعاقب فمن الأكيد انه لا يعمل ذلك بكل طيبة خاطر، ولا يمكن أن يكون عمله إجراءً اعتباطياً، لأن الإجراءات الاعتباطية هي ميزة من ميزات الطغاة، وليس الله بطاغية فإن كان يعاقب فلأن "عليه" أن يعاقب، لأن عدله يستوجب ذلك، والحال أن المسيح حل محل البشرية لتحمّل العقاب اخذ على عاتقه العقاب، فلا يكون موته من جراء خطاياه لأنه بريء من الخطأ، بل من جراء خطايانا نحن، انه يكفّر مكاننا.
وكثيراً ما تستعمل أيضاً كلمة "تعويض"، فيقال: لا بد من التعويض عن الإهانة التي نزلت بالله، والإكرام الذي رفض الناس بخطاياهم تأديته إلى الله، قدمه المسيح البريء من الخطيئة تعويضاً، تلك هي أهم المفردات التي كانت شائعة في كتب التعليم المسيحي وكتب العبادة وهي: العدل- العقاب- الاستبدال- التكفير- التعويض.
وكانوا يبررون استعمال هذه الكلمات على الطريقة الآتية:
لا بد أن يأتي العقاب على قدر الخطيئة، ذلك لأن الله لا يستطيع أن يسكّن غضبه إلا إن انزل العقاب الذي استوجبته المخالفة، ولكن بما أن المُهان هو الله نفسه فلا يستطيع الإنسان أن يعوض تعويضاً وافياً، فإن الله لا متناه والإنسان محدود فمن المستحيل إذاً أن يُلبى عدل الله، ولذلك جاء المسيح - انه إنسان ولكنه إله- ليحل محل البشرية وليقدم لله تكفيراً لائقاً به أي له قيمة لا متناهية، فالمحبة التي يكنها الله للبشر تظهر إذاً في الحلول محل البشر، الذي ابتكر لتلبية عدل الله.
فالجوهر هو التكفير، ولا يمكن أن يتم التكفير إلا بتعويض يقدَّم لعدل الله، وهذا التعويض يتخذ شكل عقاب ترضى به الضحية نفسها، ولذلك يُدل عليه بكلمة تكفير، انتم ترون ما أصوب قول احد الآباء بأن مثل هذا العرض لمعنى موت المسيح هو "أولي إلى حد بعيد"، وهذا القول غير وافٍ، ولذلك يضيف "نحول وجوهنا مرتاعين عن عدل إلهي يجرد غضبه القائم رسالة المحبة من كل مصداقية".
يقال لنا: أن الله لا يستطيع أن يغفر للإنسان، ما لم يلبى عدله...
أولاً: نستنتج من هذا القول أن الله ليس لا متناهياً في المجانية، إنهم يلجئون في مرحلة متداخلة من مراحل الغفران، إلى "عدل" يظهر حتماً بمظهر حد للمحبة، يجعلون في الله محبة يحدها العدل، إن كان عدل الله يقتضي تعويضاً عن الخطيئة فهل يبقى مجال للكلام عن الغفران بحصر المعنى؟..فقد يعني ذلك أن الله لا يستطيع أن يطلق العنان لرحمته، ما لم "يُثأر" له أولاً، وبذلك نكون قد جعلنا في الله نوعاً من التنازع بين عدل يميل إلى الثأر وبين محبة أبوية، وتكون المحبة الأبوية محدودة بسبب مقتضى العدل الميال إلى الثأر، ويكون دم يسوع الذي أريق في الجلجلة ثمن دَين يقتضيه الله تعويضاً عن الإهانة التي أنزلتها خطيئة البشر في كرامته.