أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
الصفحة الرئيسية > مقالات > دينية
  المسيحية والإسلام/إشكال القطيعة وتحديات الحوار   

                                     الشيخ حسين شحادة - نقلاً عن مجلة "النشرة" البطريركية للروم الأرثوذكس بدمشق لعام 2005                                                                                   

  مثل طفل يلعب بأزهار صورتك في الماء فيرى وجهه.. ويتحسس قبلتك البيضاء على خده الأيمن.. ومثل طفل يرعش تحت قذيفة الحرب.. احتمى بأهداب عينيكِ يا أم.. أرهف السمع لينابيع حبي وعلى غفوة الحب أثغو بدمعة السر.. أضم أيقونتي المريمية أرى بعينيَّ خلبيَّة الله في الحب.. ومن مزدلف الروح للروح أنادي قاتلي أيها السيّاف نجمتان نحن في سحابة واحدة.. إنا اثنان في واحد.. أنا يحيى والحسين.. أنا بولس أو عمر والآخر هو السيف.. لا وقت لحديث يجري عن أنا المذهب أو أنا الطائفة فدمي هو دمك والذي سمّاك سمّاني قمران نحن لعرش العروبة وقابيل هو الآخر.. وها أصلي كي أره بقلبي وتصلي كي تراني.. أنا ظل صليب الدير ووردته وأنت هلال المئذنة وندائي أنا أنت القمر العربي والآخر هو الاحتلال فال أيها الجد ما شئت من أسمائنا كلانا مجرّح بنو الظلم.. كلانا الوطن السوري الشرقي السامي العربي المسجد الأموي الكنيسة الحضارة الكلمة.. يا قيامتها والآخر هو العنف.. ولن تُقتل الحقيقة..

كذلك اختصر إشكال القطيعة من غياب الحب والحوار مستنهضاً وعي العلم بالآخر من وعي الذات، وداعياً إلى إحياء علم الأنسنة من رفاتها ومن بين الصخور الوعرة أناديكم إن لم تكن الكنيسة في عرش القلب.. والمسجد في محراب الروح.. والهيكل في اختلاج نور السلام بنور الله.. فلن يكون لله بيت في أوابد الآثار أو في الآماد المستقبلية لمنقوشات الدين في أقواس العمارة والقباب.. ومَنْ يعمر قلبه بنقاء الحب شبَّ الحب من ذاكرته مشعشعاً بزهرة سورية لا تذبل أكمامها في بساتين الكتب ولا ينام عنها الزمان..

ومن نبوءات الفجر العربي الملتف على نبوءة – من النيل إلى الفرات – سيطلع إبراهيم أبو الأنبياء والحوار مجدداً معنى لتوحيد في وحدة الإيمان بنبوءة من الإنسان إلى الإنسان.. بين أنه لن ينتقل بحواراته هذه المرة بين الكواكب والنجوم.. سيهبط إلى موطن الروح بين ضفتي المتوسط ويحمل الشام لفصّل بالحق مصطلح الدين.. بين دين كان ولا يزال يرسم جغرافيته في تضاريس التراب، ودين يرسم جغرافيته الكونية بجغرافية الإنسان الإنسان.. بين دين لا يتشكل نسبه إلا بدفق الغزيرة ودافقات الجينات الوراثية فلا يهبط عليه الدين إلا بانتسابه لطين الجسد من جهة أمه، وبين دين متصل بملكوت السماء المفتوحة على كل قلب ألقى السمع وهو شاهد أو شهيد.

ومن فرح المحبة بدين الحب الإلهي ينتفي إشكال القطيعة من كوكبنا، وحيث تمشي المحبة تنبلج قناديل الوحدة الإنسانية الكبرى فلا تصير المسيحية تهمة للمسيحي، ولا يصير الإسلام تهمة للمسلم، ولا يصير الأمريكي ولا اليهودي متهماً لأنه أمريكي أو اليهودي فلا يُتهم إلا الجاني بمعزل عن هويته الدينية والقومية..

وها هنا حيث تمشي المحبة تنبلج قناديل الأرجوان أو قناديل الألم، ومن ألم المحبة يرتد إليَّ البصر وأحاذر "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار"، فإما اتصلت هذه الآية في بيئتها وتاريخها بناس من الناس قطعوا ما أمر الله به أن يوصل فإن الآية في مجرى الشمس والقمر ليست منغلقة على أسباب النزول، والآية ليست منحصرة في النهى عن قطع الرحم لأنها مفتوحة على كل ما أمر الله به أن يوصل، ومن أعظم القطع قطع الدين بالدين.

كذلك هل حدثتكم من قبل حيث يخطو الحوار بالوصل معمماً أو راهباً ستنبت من تحت أقدامه سنبلة الحقيقية.. فإما رقصت سالومي فوق دمي طالبة هذه المرة رأس المحبة المسيحية – الإسلامية، ناديت شفيعتي مريم يا مريم الله بكل أسمائه يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم.. فافتحي جروح الكتاب على جروحي لكي لا يكون الدخول في مغاليق النص الديني توراةً وإنجيلاً وقرآناً كمن يدخل إلى مقبرة العقل.. وإذن لا بد من فاصلة بين صوت يوقظ ضمير التاريخ من أجل المحبة والحوار، وبين حنجرة تنفخ في رماد التاريخ لتوقظ ضفادع الفتنة النائمة في المستنقعات..

واراني أنا الذي لم أمتلئ بعد بمحبة الله والإنسان تجرحني أشواك القطيعة، وأكتب إن إشكال القطيعة يتعدد بإشكالها لكنه يبتدئ من إشكال الأخلاق بوصفها التجلي الأجمل الأكمل لروح الدين وجوهر المعرفة.. فلئن كنا نحن المتدينين مهووسون بنرجسية التمييز وطاووسية الفرادة في الدين الذي نريده متعالياً فوق التاريخ دون أن نرتفع به ومعه، فلنتميز بأزهار هذه المحبة المذبوحة بأظافرنا ومخالبنا وصلباننا من الوريد إلى الوريد..

ذات حرب من الحروب المفروضة علينا لم يحتمل الإسرائيلي شعاع المحبة الطالعة من كنائس القنيطرة ومساجدها، فدمرها تدمير انتقام من الرمز والمعنى، وتسألني دماء الحجارة كيف أتميز أنا المسيحي – المسلم عن هذا الإسرائيلي الوافد علينا من خارج التاريخ وخارج التوراة وخارج الحضارة..

لن أرضى بتسوية تقتل فيَّ هذا التمييز.. أنا مع السلام الذي ينقي الذاكرة، ولست مع السلام الذي يخمد الذاكرة تحت شعار، فلننسى ولنغفر.. سأغفر نعم ولكني لن أنسى.. سأقاوم النسيان لأن من أخطر أخطار القطيعة هي القطيعة مع التاريخ.. أقاطع الأسود من صفحات الماضي غير أني سأظل وفياً لأول حبة قمح سورية، ولأول حرف من الأبجدية السورية، ولأول معبد من ألوف المعابد اليهودية والمسيحية والإسلامية التي هي  منابتنا وأسوارنا، نعم هي أسوار الحضارة في زمن سقوط الحضارة التي تسرق التاريخ من متاحف بغداد..

وها أنا ذا الآن أوضأ بماء الكنيسة الدمشقية، وأتوضأ بروح بولس وأناديه بمثل ما ناداني: "لو كانت لي النبوة، وكنتُ أعلم جميع الأسرار والعلم كل، ولو كان لي الإيمان كله حتى أنقل الجبال ولم تكن فيَّ المحبة فلستُ بشيء".

هذا هو مدخلي إلى معبد المحبة وباسمها أرى من الضرورة العلمية بمكان أن نقف على مسألة الزمن، والتاريخ، والنص، والسياسة، والمستقبل في قراءة إشكال القطيعة بين المسيحية والإسلام، وأن نعرف الهوية الراهنة لأسماء الفاعلين والمؤثرين في إشكالات القطيعة بجميع مستوياتها، فأي ذهنية من الإسلام هي التي كرّست إشكال القطيعة؟.. وأي فهم للمسيحية هذه الذي خاض في نحت صورة القطيعة وعمّدها؟..

ولقد نُصحتُ ألا أتحدث عن القطيعة فقلتُ لصاحبي سأنتزع ألغامها.. فمَنْ ذا يصدق أن نستقبل الألفية الثالثة للميلاد بفتن قبلية وسياسية ترتدي المسيحية والإسلام.. ولن أتح خرائط هذه الفتن ولن أدق أجراس المحاكمة فثمة أزمة في العقل يضخها الموروث الديني ويتغذى منها ما هو مبرمج في مناهج تفكير المؤسسات الدينية، ومنها ما هو مزروع في وجدان السذج والبسطاء.. فمَنْ ذا يصدق ما جرى مع تدشين مسجد جديد في أحد عواصم شرق آسيا دعت إحدى الجماعات الإسلامية الحكومة إلى منع استيراد أنواع من إطارات السيارات وقالت الجماعة في بيانها إلى الحكومة إن الغرب يستخدم وسائل خبيثة في التبشير، من بينها صنع أنواع من إطارات تترك على الطرق التي تسير فيها علامات أقرب إلى شكل الصليب، وبالتالي لا بد من منع استيراد هذه الإطارات المعادية للإسلام؟...

أكتفي بهذا المثال وله ما يشاكله في الوجدان الشعبي المسيحي في ذلك الجزء من لشرق لأسأل من أين أقارب تحديات الحوار المسحي – الإسلامي، وهو عندي لم يبتدئ بعد كما ينبغي للبدايات أن تكون.. اللهم إلا في عهد البابوية المعاصرة برعاية قداسة الحبر الأعظم جان بول الثاني.. فما قبل سقوط برلين وما بعده يتجه هذا الجليل بعلنية صادقة إلى تجاوز صورة الإسلام المشوَّه ليقرأ الإسلام بوصفه شريك إيمان، وبوصفه المحاور الأخلاقي الأهم لإنقاذ الحضارة من نظرية صدام الحضارات، كذلك وفي وقت كان يجري فيه الرهان على الراديكاليات الإسلامية من حرب الخليج إلى احتلال العراق سيمعن التزوير والتشويه في تقطيع أواصر الحوار المرتجى بين المسيحية والإسلام لتبقى سمة التطرف هي صورة الإسلام القديمة المستنسخة لإسلام شهواني مفتون بالجسد منغمس بالهرطقة، يمتهن التدليس ولا يرى في الغرب إلا جاهلية كافرة، وعلى مدى تلك التعميات والتعميمات كان مجمع الفاتيكان الثاني ومنذ العام 1963، ومن فيضان ما في قلب قداسة البابا من محبة وإيمان ولأول مرة في التاريخ البابوي يحدث انقلاباً على تلك الصورة العدوانية مؤسساً لنظرية رائعة مفادها إعلان القطيعة مع الماضي وليس مع الإسلام، وقد تم في الوثيقة التاريخية المؤرخة في 28 أكتوبر 1964.. وإذن فلنفض الختم لنقرأ ما ورد في بنودها:

      1 - تكّن الكنيسة للمسلمين تقديراً سامياً لأنهم يعبدون الرب الأوحد الحي الذي تكلم إلى الإنسانية.
        2 - المسلمون يرغبون في التسليم لإرادة الرب شأنهم شأن شيخ الأنبياء إبراهيم.
         3- المسلمون ينظرون الدينونة – أو يوم الدين عندما يجازي الرب كل العائدين إليه.
         4- المسلمون يكرمون المسيح عيسى ابن مريم بما هو نبي وينزهون أمه عن كل دنس تنزيهاً كريماً.
         5- والمسلمون مفعمون بالحياة الأخلاقية ويعبدون الله صلاةً وصدقةً وصياماً.
       6- والمسلمون تواقون للتفاهم والحوار الصادق من أجل أن ننهض جميعاً بالعدل الاجتماعي والقيم الأخلاقية والسلم والحرية بين البشر..

وما من شك في أن للكنائس الكاثوليكية في العالم العربي والإسلامي الدور الفاعل في صياغة بنود هذه الوثيقة التي لم تكن بمثابة الإعلان على إنهاء عصر القطيعة فحسب، ولكنها فتحت أبواب المسيحية كلها للبدء ببرامج الحوار عبر المجلس الحبري الأعلى للحوار بين الأديان.. وعبر تأسيس لجان التواصل الدائمة مع المؤسسات والمرجعيات الإسلامية وصولاً إلى إعلان الوثيقة التي بلورتها الأسقفية الأوربية عند انتهاء السينودس المنعقد عام 1991 فكانت بمثابة التتويج الذهبي لوثيقة 1964.

لقد رأى البروفسور أنزوباتشي الأستاذ في جامعة بادونا – ايطاليا – أن الموضوع الحقيقي لهذا الاهتمام الفكري بالإسلام إنما هو الاندماج الاجتماعي والثقافي لمجموعات المسلمين في أوربا الجديدة، ولتأمين أحسن الطرق لهذا الاندماج تتصور الكنيسة الكاثوليكية أنه من الضروري الإقرار بفكرة الاعتراف بالإسلام كدين كوني من ناحية ودعوته من ناحية أخرى إلى الإقرار بالمبادئ الأخلاقية والحقوقية المنسوبة إلى الثقافة الأوربية المسيحية – حقوق الإنسان – والسؤال المفتاح لهذه المحاضرة.. إلى أي مدى أثرت وثيقة الفاتيكان على المسيحية الغربية؟.. وما هو الرد الإسلامي على هذه اليد الممدودة إلينا من أعلى سلطة مسيحية في العالم؟..

إن الإجابة الموضوعية ستحتاج إلى قراءة متأنية للمسيحية العربية ودورها المرتقب في تصحيح علاقة الإسلام بالمسيحية الغربية، وسأذهب بعيداً في قراءة المسيحية العربية من داخل همنا العربي المشترك، أي من داخل عروبتنا التي لم نكتشف كنوزها الروحية والحضارية حتى الآن مجانباً استعادة الحلول التاريخية لمشكلات الحاضر.

وأعود إلى سؤالي المحوري:     لماذا لم يبدأ الحوار؟..

في الماضي اللاهوت وعلم الكلام كان يتم الحوار باستحضار نصوص المحاور وتغييب شخصه، ولذلك نجد في تراثيات هذا الحوار التداخل المركب بين ضمير المتكلم وضمير والمخاطَب، فلم يكن في الحوار طرفان أحدهما يتكلم والآخر يستمع، وكأن منطق الحوار مؤسس على محو الذات المجتمعية للآخر وتذويبه لينتهي المشهد بسكرة الأقلام المنتشية بتبرير القطيعة، وبذلك أسدلت أغطية من الحجب التي حالت دون الإعلان عن "وحدة الدين في ينابيعه الصافية".. وما بين حوار يعتمد في مرجعيته على العقل الأوسطي، وحوار يعتمد في مرجعيته على التفسير الحرفي للنصوص اتسعت حقول الألغام في المجاهيل الدنية ليصبح مصيرنا الإنساني معلقاً في مغامرات المتكلمين بتسييس الدين، فما يقال عن هرطقة إسلامية أو ضلال مسيحي، فإن الهرطقة ليست في الإسلام الدين، والضلال ليس في المسيحية الدين، وإنما في لغة الحوار الذي لم يكتشف بعد وشائج الوصل بين معنى الدين ومعنى الإنسان، فهل من الحوار أن يتم التضحية بالإنسان على مذابح الحوار؟...

ولقد استنفذ علم اللاهوت أو علم الكلام كل ما لديه من قراءة السماء في غيوبها، وقراءة الأرض في ماضيها، ولكنه لم يكتب جملة مفيدة تتحسس الوجع الإنساني في آلامه وآماله..

وإذن ولكي يصير الاختلاف رحمة ونعمة فلجداول المسيحية والإسلام أن تصب مجتمعة في وحدة النهر، وللنهر أن يخضوضر في عروق الشجر، وللشجر أن يثمر بالأطيب المشتهى من فواكه الاختلاف.. ولن يصير الاختلاف حقاً وثقافة إلا بتصحيح مفهوم الوحدة الدينية المحسومة بحقيقة التعددية والتنوع تحت سماء الله والوطن، وإلا برد الاعتبار لعلم الاجتماع وبدونه لا مشروع حضاري لأمة جنت على نفسها فجار عليها الزمان.. ومَنْ ذا يصدق أنه وحتى اللحظة الراهنة لم نكتب سطراً لتأسيس علم الاجتماع الديني ولماذا؟.. لأن هذا العلم لا يمك أن يؤسس إلا في ضوء الإجابة عن سؤال ما هو الدين؟.. فما دمنا حتى الآن لا نملك إجابة يهودية مسيحية إسلامية مشتركة عن عريف الدين فمن العسير علينا أن نضبط الفصول المنهجية لهذا العلم بما هو باحث ليس في علاقات الجماعات الدينية بعضها مع البعض الآخر، وإنما في علاقة الدين بالسياسة والاقتصاد والقانون.

وفي علم اجتماع الدين، إذا كان الدين هو المحدد فإن الواقع هو المؤثر، فإذا اختل التوازن بين المحدد والمؤثر سيتحطم الميزان لصالح التطرف الديني والعصبيات الدينية التي تفتك فتكاً بمقاييس الحق والباطل، ومعايير النور والظلام.. وها هنا يأتي مشروع الدولة كضامن وحيد لفض هذا الاشتباك وبمعزل عن رأي المسيحية والإسلام في تشكل الدولة الحديثة التي انتزعت سلطنة الإسلام وسلطة الكنيسة، فإن نظام العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية بين الدول قد أتاح للدينين الكريمين أشكالاً متحضرة من أشكال الحوار.. والسؤال ألم يحن بعد أن يقتنع المسلمون والمسيحيون أن أدلجة الدولة بالعقيدة المسيحية أو الإسلامية لا يخدم الجوهر الديني المبشر بما هو أسمى من شكل الدولة الحديثة أعني به دولة الإنسان؟..

ولكي لا يجري الحوار على أساس المسبقات المسيحية عن الإسلام أو على أساس المسبقات الإسلامية عن المسيحية، ولكي لا يجري الحوار على رمال متحركة فإني أقترح بعد انجاز شرط المحبة وشرط ثقافة الحق بالاختلاف أن يتنفس الحوار بيننا بالتفكير في قضايا الوجود والمصير المشترك والوطن.. وبشفافية الورد لا بجارحات الشوك ماذا يريد المسيحي من المسلم، وماذا يريد المسلم من المسيحي؟..

ولقد كنا في منتدى المعارج لحوار الأديان نقبِّل التراب الذي انغرست فيه زيتونتنا هاتفين أن يجري الحوار متوازياً في حقلين:

1-حقل المعرفة وما يتصل بها من تطلعات لتجديد الخطاب الديني لنحلم بيوم يحاضر فيه اللاهوتي المسيحي عن مسيحيته في كليات الشريعة، وبيوم يحاضر فيه الفقيه المسلم عن إسلامه في معاهد اللاهوت وجامعاته.

2-حقل التنمية وما يتصل بها من مشكلات مكافحة الأمية، والإعاقة، والإجهاض، والجريمة، والانتحار، والإرهاب، وسواها من المخاطر الاجتماعية والسياسية، والتي لا يمكن الاستغناء في مكافحتها عن الخبرة الروحية المسيحية والإسلامية.

ما يعني ضرورة أن يشارك المتخصصون المسيحيون والمسلمون في برامج الدولة لاجتراح نموذج عربي يُحتذى في التكامل والتفاعل البنّاء بين الدين والدولة والمجتمع، تمهيداً لإنهاء زمن القطيعة المزمنة وفق نسيج جديد قائم على الحوار الصادق بين العلمانية العادلة والدين المعتدل..

في الأديان السماوية نزوع نحو التوحيد، فلا نجد في مصادرها العليا إلا دعوة إلى سلام العالم وأنسنته.

في النص اليهودي وفي مزامير داود: "جانب الشر واصفح وابتغِ السلام واسعَ إليه.. فإن سافك الدماء يمقته الرب".

وفي النص الإنجيلي: "سمعتم أنه قيل أحبب قريبك وابغض عدوك، أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، وصلوا من أجل مضطهديكم لتصيروا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه يُشرق شمسه على الأشرار والأخيار، ويُنزل المطر على الأبرار والفجار، فإن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم أو ليس العشارون يفعلون ذلك، وإن سلمتم على إخوانكم وحدهم فأي أجر فعلتم أو ليس الوثنيون يفعلون ذلك؟.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل..".

وفي النص القرآني : "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة"، ولم يقل ادخلوا في الإسلام لأنه لا معنى للإسلام على الأرض من غير السلام.. ومن محاكم التفتيش المسيحية إلى محاكم التفتيش الإسلامية ينادي القرآن "ولا تقولوا لمَنْ ألقى إليكم السلام لستَ مؤمناً".

فهل نعي من وراء ذلك أن إشكال القطيعة هو إشكال في فهم النصوص وتأويلها.. ولا أكتَمكم أنني قرأت إشكال القطيعة في مسألة تحريف الكتب السماوية، فجزعتُ من ذلك الجهل المسيحي – الإسلامي بمقابسات اللغة الربانية، فلا الكتاب المقدس يزعم أنه الكلام الإلهي الذي دون نصاً وترجمة من غير واسطة من البشر، ولا القرآن يزعم أنه قد سلم من ليَ آياته بتأويل يحجب نوره أو تفسير يحجب صوته الأول خلف ضوضاء التفاسير.. ولقد فرغت لتوي من حديث القرآن عن التوراة والإنجيل يريدهما مناورة للاقتداء بهما كلما ضاقت علينا رؤية الأشياء على حقيقتها، وذلك بتلاوة الجوهر من غاليات الأهداف ورائعات المبادئ في الكوكبة الواحدة.. "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه، وانزل التوراة والإنجيل".

"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما اُنزل إليهم من ربهم"، "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، أو ليس علم الحكمة هو علم الحوار بعقل طامح لرؤية المعرفة، وقلب طامح لرؤية الجمال؟.. ومَنْ عَلِمَ الحكمة هذه فيسمح لي بأن أطل على العهد النبوي بوصفه المرجعية العليا للتشريع الإسلامي قرآناً وسنّةً، فثمة هواجس ومخاوف يهودية ومسيحية لا تزال عالقة من ثقافة تفاسير القرآن وشروحات السنّة النبوية، فأعينوني بشيء من الصبر والوقت لقراءة هذه المخاوف والهواجس بعناوين سريعة وإضاءات أسرع... 

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم