أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
الصفحة الرئيسية > مقالات > صحية وعامة  
  لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟..                                                                                                  نجيب البعيني
                                                                                                                                     جريدة النهارالأحد 19 كانون الثاني 2003

الســؤال الـقـديــم - الـجـديــد

في سنة 1930 أي منذ 73 سنة، طُرح هذا السؤال ولا يزال يُطرح ويتردد على الألسنة.

في ذلك الوقت كان للمسلمين "قضية" عبّر عنها احدهم من أقاصي العالم الإسلامي، من جزيرة بورنيو في جاوه - أندونيسيا اذ سأل أمير البيان الأمير شكيب أرسلان الذي ناضل في سبيل الإسلام والقضية العربية التي اعتبرها فوق كل قضية يجب النضال في سبيلها:

لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟..

ويبقى السؤال هو السؤال، والجواب هو الجواب، رغم المسافة الزمنية التي طال أمدها من دون جواب مقنع يُرضي الأمتين العربية والإسلامية.

الإجابة التي قام بها الأمير كانت بمثابة مرافعة تبرئة "الإسلام" كدين، من مسؤولية ما لحق بالمسلمين من تخلّف وانحطاط في عالمهم، وما كان من تقدّم في دنيا غيرهم.

في كتاب "لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟.." الذي صدر حديثاَ عن "دار الأنوار"، إعادة طباعة لذلك المؤلّف الذي أعده الأمير وأنجزه سنة ،1930 وقد كتب صاحب هذه السطور مقدمة الكتاب.

كان الأمير، أمير البيان وجندياً من اجل العروبة والإسلام يستمع كبار رجال الأدب والفكر والسياسة إلى آرائه في كل معضلة تعترض العالم الإسلامي، ويستشيره كبار الرؤساء.

وفي شهر ربيع الآخر سنة 1348هـ الموافق في 1929م، أرسل الشيخ محمد بسيوني عمران، من جاوه، إلى صاحب مجلة "المنار" الإمام محمد رشيد رضا رسالة يثني فيها على الأعمال والمساعي التي يقوم بها الأمير في سبيل الإسلام، مقترحاً عليه أن يبيّن لـ"المنار" أسباب تأخر المسلمين ومقارنتهم بدول اليابان وأوروبا وأميركا وهل يمكن مجاراتهم في سباق الحضارة مع المحافظة على دينهم الحنيف؟.. فأحال الإمام رضا الرسالة على الأمير ويظهر أنها أثرت في نفسه فقرر الإجابة. وكان السؤال يلحُّ في خاطره منذ زمن بعيد، يشغله عن ذلك شجون العالم الإسلامي، وما كان يعتريه من مؤامرات تحاك في الخفاء.

ذهب الأمير ارسلان إلى الأندلس في رحلة استطلاعية، وكان كتابه "تاريخ الأندلس" قد صدر حديثاً في مصر. عكف على انجاز كتابه الجديد الذي طبع في "المنار" وقدم له الإمام رضا أواخر السنة 1940 فكان حدثاً عظيماً بحيث أُعيد طبعه مرات، وتناقله العالم الإسلامي بلهفة وتساؤلات.

وكانت هذه الرسالة شعلة أضاءت الطريق أمام آلاف القراء المنتشرين في العالمين العربي والإسلامي، فقال عنها الإمام رضا: "اضطربت بها بعض دول الاستعمار، وزلزلت زلزالاً شديداً، حتى قيل لنا إنها أغرت حكومة سوريا بمنع نشرها فيها، وهي أحق بها من أهلها، فانفردت بهذه العداوة للإسلام دون من أغروها بها".

ومنعت فرنسا من دخولها إلى الجزائر، وحظرت قراءتها. واقترح محمد تقي الهلالي في كلية ندوة العلماء في الهند، تعميم الكتاب ونشره مصححاً مضبوطاً مشكلاً، كي يطالعه طلبة الجامعات والمدارس ويوزع في كل مكان وان يخطب به الخطباء وينوّهون به، ويترجم إلى عدة لغات.

أنجز الكتاب في ثلاثة أيام متتالية. وإذا صحَّ هذا، فهو يعني أن الأمير اعتمد على الذاكرة والتجارب، مما دفع بعض المفكرين والمطلعين إلى انتقاد الكتاب واعتبار انه جاء في صياغة صحافية، حتى قال صديقه احمد الشرباصي، شيخ الأزهر واحد علمائه: "إنها أشبه بخطبة طويلة النفس فيها من الإثارة والتحميس أكثر ما فيها من البحث والإقناع".

ومهما يكن من أمر هذه الرسالة، فقد ظلت ضرورة ماسة لإيقاظ العرب من غفوتهم، وإزالة الحجب عن أعين الكثيرين من أبناء هذه الأمة.

لقد عزا الأمير تأخر المسلمين إلى الجهل الذي هو "اشد خطراً من الجهل البسيط، لان الجاهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعه ولم يتفلسف عليه، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ولا يقتنع بأنه لا يدري، وكما قيل: ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون، أقول: ابتلاؤكم بجاهل، خير من ابتلائكم بشبه عالم. ومن أسباب تأخر المسلمين فساد الأخلاق. بفقد الفضائل، والعزائم التي حمل عليها سلف هذه الأمة، وبها أدركوا ما أدركوه من الفلاح، والأخلاق في تكون الأمم فوق المعارف. ومن أعظم أسباب تقهقر المسلمين الجبن والهلع، وقد انضم إلى الجبن والهلع اليأس والقنوط، ولم يزل هذا التهيّب يزداد ويتخمر في صدورهم أمام الأوروبيين إلى أن صار هؤلاء ينصرون بالرعب. ومن اكبر انحطاطهم أيضاً الجمود على القديم".

لقد كان الأمير من أنصار الرقيّ الاجتماعي والإصلاح الديني، على غرار الإمام رضا، وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده والكواكبي والطهطاوي، وغيرهم من المفكرين في زمن عصر النهضة.

وهنا، لا يزال السؤال كبيراً:

هل ما زال العرب والمسلمون في تأخر وانحلال، أم أنهم تطوّروا عما كانوا عليه وترقت أحوالهم؟..

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم