لمحة تاريخية عن الشعب الفارسي :: أقرأ المقالة
الديانة الزردشتية نشوؤها وتطورها :: أقرأ المقالة
مؤسسها
الكتاب المقدس في الزردشتية :: أقرأ المقالة
المعتقدات الزردشتية :: أقرأ المقالة
1 ـ التوحيد
2ـ النور والظلمةـ الخير والشر
3ـ الخلق
4ـ النار
5ـ الموت والقيامة
الحياة الاجتماعية والطقوس :: أقرأ المقالة
المراجع :: أقرأ المقالة
لمحة تاريخية عن الشعب الفارسي:
أصل الإيرانيون هو من الشعوب الآرية التي عاشت في بلاد تقع شمالي غربي الهند وعلى مقربة من بحر قزوين وتكلمت لغة تشبه كثيراً اللغة السائدة في الهند وآمنوا بعدة آلهة تشبه آلهة الهند.
كثرت القبائل الهمجية التي هاجمت إيران وسلبت الناس ماشيتهم ومحاصيلهم.
هذا الجو فرض على الناس أن لا يفكروا كثيراً بالحياة بعد الموت بل جعلهم يهتمون في الخير والسلام وراحوا يصلون من أجل وفرة المحصول و الأنتصار على الأعداء في العبادة وصفت بالسطحية. مع تطور هذه العبادة زادت الصلوات والتراتيل والقرابين وبانشغال الناس في فلاحة الأرض ورعاية الأغنام كان لا بد من استخدام رجال اتقنوا طرق تقديم القرابين ومن هنا نشأت فئة الكهنة. ولأنهم يمضون معظم وقتهم مع الآلهة في المعابد فقد أعتقد الناس أنهم افضل منهم وأدعوا أنهم يعرفون كيف يرضون الآلهة لا بل كيف يجعلونها تفعل ما يريدون وصدق الأيرانيون ذلك ونظروا إلى الكهنة نظرة وسيط بين الآلهة وبينهم وكانوا كلما ذهبوا إلى الحرب أخذوا معهم كهنتهم وأصنامهم لتساعدهم في كسب المعارك .شيئاً فشيئاً دخل السحر بالدين وأصبح الساحر هو الكاهن.
ونشأ أيضاً الإيمان بإلوهية مظاهر الطبيعة القوية التي كانت تؤثر عليهم (كسائر الشعوب الأخرى). ونشأت أيضاً معتقد تحليل السلب و النهب وإراقة الدم لسبيل العيش وخاصة عند القبائل البدوية العشائرية. فأتى دين زردشت بأفكار ومعتقدات جديدة سامية غسلت كل الماضي الفاسد رغم عدم قبوله في البداية. فكما كان الوضع قبل المسيح وكان هناك ضرورة لمجيء مخلص هكذا حصل مع زردشت.
الديانة الزردشتية نشوئها وتطورها:
مؤسسها:
إن هذه الديانة تسمى على اسم مؤسسها زردشت الذي ولد في مقاطعة التروبانتين (أذربيجان حالياً). قرب بحيرة أورمية وهي إحدى اهم مقاطعات ميديا. حسب الإبستاق (الكتاب المقدس عندهم) أبوه هو بورشاب من نسل فريدون أحد ملوك الأسرة البشدادية وأمه (دعمروية).
تمت ولادته حسب المصادر الإسلامية سنة 660 ق.م وتوفي حوالي 573 عن عمر 73 سنة في الحرب ضد الطورانيين بينما كان متعبداً للنار في هيكل مدينة بلخ.
أما المصادر الزردشتية فتقول أنه ولد في عام 1790 ق.م . لكن أغلب المؤرخون يرجحون التاريخ الوارد في المصارد الإسلامية.
إن زردشت مثله مثل أي شخصية أخرى أدى إعجاب أتباعه وحبهم له إلى خلق أساطير وقصص عجائبية حول حياته منذ الولادة لا بل قبلها حتى. فمن هذه الأساطير ما يقول: "أن ثوراً كان قد ظهر بين قدامى الإيرانيين وتكلم وتنبأ بمولود منقذ العالم من قوى الشر".
ويقال عن الملك جمشير الذي عاش في العصر الذهبي لإيران، أنه حارب قوى الشر وأنذرهم باقتراب مولد رجل سيكون على يديه فناؤهم والتخلص من كيدهم.
وأما عند مولده فقد أحاط بالبيت نور قدس وهاج، وهبط نجم عظيم ودنى من الأرض وأعلن النبأ السار الذي منه أفزع عالم الشر وأتباعهم السحرة الذين خاطوا مؤامرات لقتله والتخلص منه.
كما يقال أن فريقاً من الأطباء حضروا للولادة وقد لمسوا رأس الصبي فللحال نبض نبضة قوية دفعت أيديهم بشدة لمنع لمسه. كما أنه الطفل الوحيد في العالم الذي ضحك عقب ولادته مباشرة فكان صوت الضحك قوياً جداً حتى أنه بالإضافة إلى الحاضرين. الجوار سمعوا هذه الضحكة.
كما قلنا سابقاً كل هذه المعجزات التي سبقت الولادة ورافقنها وعقبتها قد ظهرت بعد وفاته وخبّر عنها تلامذته ولم تنقل على لسانه وكان هدفهم القول أنه مرسل الله وأن به نعمة الله التي استطاع بها فيها بعد أن يقضي على السحر وعبادة الأصنام والكهان (خدمة الأصنام) فللتغلب على هذه القوى لا بد من قوة أكبر و أقوى. ومن هذه المؤامرات التي دبرت لقتله (كما ذكرنا سابقا)
يقال أن الملك دوران سرون رئيس السحرة أرسل بعضاً من سحرته ليخطفوا الطفل زردشت ويضعوه على نار المذبح في معبد النار وعندما عادت الأم إلى البيت ولم تجد إبنها ذهبت إلى المعبد فرأته على المذبح يلعب بابتهاج وسط اللهيب كأنه في حمام.
بعمر سبع سنوات تتلمذ على يد معلم مشهور (يوزين) لمدة ثمان سنوات، وعندما بلغ الخامسة عشر لبس على وسطه حزاماً دلالة على بلوغه وعلى أنه متدين طول الحياة ، ونقل زردشت هذه العادة إلى الزرادشتية وجعلها طقساً من طقوسها، في سن العشرين أحس لأول مرة بقوة تدفعه للنهوض برسالته فترك أهله ووطنه وسعى يطلب الهدوء والتأمل لاكتساب الخبرة الروحية. فظل عشر سنوات جارياً وراء الهدف فقد قضى أغلب هذه الفترة في عزلة تامة وصمت رهيب يأوي إلى الكهوف و المغاور و يسير في التلال والأودية محاولاً أن يروض نفسه ويؤهلها للأسرار الإلهية.
وبينما كان واقفاً عند نهر (دايني) عندما آتت الخبرة الإلهية فقد نزل عليه الوحي فرأى كائناً نارياً نورانياً يدنو منه وكأنه عمود من نار وحجمه تسع أمثال حجم الإنسان وبيده عصا من لهب. أمر زردشت بأن يخلع ملابسه وقال له أنه هو (قاهومانا) كبير الملائكة وانه جاء ليقوده إلى الإله الأكبر والحكيم الأعظم (اهورا مزدا) فرأى نفسه أمام الإله الأكبر محاطاً بضياء عظيم و الملائكة تخدمه وهناك تلقى التعاليم الحقيقية وتعلم أسرار الوحي المقدسة وأخبره (اهورا مزدا) أنه أختاره ليكون رئيس دعوته و ليبشر بها في كل مكان. يقال أنه فترة أعداده وتعليمه أستغرقت حوالي عشر سنوات نزل عليه الوحي ورأى (اهورا مزدا) حوالي السبع مرات.
طبعاً لم يتركه (اهورا مزدا) ولا ملائكته بعد ذلك بل كانوا معه يشددونه في متاعبه ومحنه التي كانت كثيرة وقد عانى منها زردشت كثيراً ومنها أنه لاقى صعوبة في نشر دينه الجديد وخصوصاً بين أهل بلده. إلا أن صادف الطور أن تعرف على الملك كشتاسب الذي كان له الفضل الكبير في التحول الكبير الذي جرى على نشر البشارة الزرادشتية.
فقد لجأ زردشت إلى بلاط الملك لطلب المساعدة (بأمر من اهورا مزدا) رغم أن أتباع الملك كلهم كانوا من أتباع آلهة الشر. (ضد مبادئ زردشت) وكان جواد الملك الخاص مريض وكان الملك يحبه كثيراً. فطلب من عدة أطباء أن يشفوه فلم يستطيعوا إلى أن عرض نفسه زردشت للمساعدة وشفى الجواد فنال حظوة في عيني الملك كشتاسب الذي قربه منه وزوجه ابنته واتبع الملك وأهله دين زرادشت وهكذا أعلنت الديانة الزرادشتية ديانة المملكة كلها وظل زرادشت بعد ذلك مدة عشرين سنة يعلم الناس مبادئ دينه وقد قاد حروباً دينية (لنشر الدين خارج بلاده)، توفي في الثانية (كما رأينا سابقاً) وقد انتشر الدين أكثر بعد وفاة مؤسسه وخصوصاً لأنه استطاع أن يغير العلاقة بين الإنسان وآلهته من علاقة خوف ورعب ويقدم الإنسان القرابين لآلهته اتقاء لشرها و يعتبر نفسه عبداً لكهنتها إلى علاقة محبة وتعاون وصداقة فلقد كان زرا دشت يتحدث مع أوعن (اهورا مزدا) وكأنه يتحدث عن صديق.
كتاب المقدس يسمى بـ ( الإبستاق). تم تجميعه أول مرة بأمر من أردشير الأول ثم أضفيت عليه بعض التعديلات العلمية من طب وفلك وفلسفة لمفكرين إيرانيين إلى أن استقر أخيراً في عهد شابور الثاني وكان يعتبر ليس فقط كتاباً دينياً مقدساً بل موسوعة كبيرة تحتوي كافة علوم العصر في العهد الساساني. تم تفسير هذا الكتاب بكتاب آخر سمي (الزند) واغلبه مكتوب باللغة البهلوية، كما فسر هذا الأخير بكتاب (بازند) وقد تمت كتابة الأبستاق بالذهب على عشرة آلاف جلد ثور ويحتفظ بنسخة في بيت نار(أذركشسب)
إن الأبستاق الحالي يقسم إلى ستة أقسام رئيسية هي:
الكاتات: وهي أقدم ماكتب من الإبستاق هي شعر من إنشاد ونظم زرادشت نفسه.
اليسنا: هي أناشيد عباده وشكر (لأهورا مزدا) وهي مليئة بأهمية الطهارة والثناء على الصدق والجمال والحرية وذم النذالة والكذب والحقد.
اليشتات: هي أطول أجزاء الأبستاق وتضم كثيراً من الأساطير والحكايات ووصف بعض الحروب الأيرانية وكانت هي مبدأ إلهام لملحمة (شامنامه) الشعرية قبل الإسلام.
الونديداد: يعتبر هذا الجزء هو القسم الفقهي من الأبستاق فيه الكثير من التشريعات والقوانين التي تحكم على حياة الإنسان الإجتماعية والفردية ومايناله من ثواب وعقاب على أفعاله اليومية.
كما أنه معروف أن الأبستاق القديم (عهد الساسانيين) حوالي 345700 كلمة أما النص الموجود بين الأيدي حوالي 83000 كلمة فقط. إذاً تغير كثيراً وضاع منه الكثير.
الويسيرد: وهو أقصر أجزاء الإبستاق وفيه الكثير من الطقوس (قسم طقسي) يحتوي على أناشيد وتراتيل في تمجيد الشرف والعفة وذكر للآلهة والملائكة وكل طير كما تشمل على وصف العبادة وكيفيتها واوقات الصلاة وأعياد الدين الكبيرة.
الأبستاق الصغير: هي مختارات من الأبستاق كله جمع ليسهل على المؤمنين القيام بواجباتهم الدينية ويشمل ما يتلوه الزردشتي في صلاته وأعياده الدينية وكذلك مراسيم الزواج والعزاء وعند لبس السدره ومراسيم التعميد وفيه قسم أخير هو التقويم الزردشتي وأسماء الأشهر والأيام.
1_التوحيد: بعد انتشار الدين الإسلامي في إيران فلا يمكن أن نقول بأن الزردشتية تعتقد بالثنوية بالرغم من أن المعتقدات الزردشتية تعرضت لتعديلات كثيراً و خصوصاً في التأله أو أنها دخيلة عليها بعد الانتشار الإسلامي.
إن مبدأ التوحيد من أهم دعامات الدين الزردشتي فلهذا يمكننا القول أن الزردشتية دين توحيد( منذ البدء).فالإله (أهورا مزدا) هو الإله الأعظم، قديم وأزلي مجرد من جميع الشوائب المادة ونواقصها، لم يولد ولن يموت، موجود في كل مكان لكنه لا يٌرى في أي مكان، يشعر أقوى الناس بضعفهم أمامه لا يقدر على إدراك حقيقته عقل بشري فهو خالق الناس و الشمس والقمر وكل ما في السماء والأرض، إنه مصدر النور والخير وهو الديان الذي سيحاسب الناس على أختيارهم طرق الشر أو طرق الخير.
إذ يقول زردشت في الأبستاق : "إني أعبد الإله الذي كان دائماً وسيبقى أبداً، أني عبد الإله المتعالي بفكره، الواحد في العالمين و الخالق لهما والديان و الذي اسمه أهورا مزدا".
2_النور والظلمة – الخير والشر: هناك صراع دائم بين الخير والشر بين النور والظلمة، الحق والظلم. أهورا مزدا وأهريمان (إله الشر).لكن كما تقول الزردشتية في النهاية سينتصر أهورا مزدا إله الخير على أهريمان وأتباعه على عكس ما تقول المانوية الآتية من جذور زرادشتية، إن الصراع أبدي.
طبعاً (أهورا مزدا) خلق كل الخير والصلاح فكيف أتى الشر البعض يقولون أنه أحد ملائكته العاصين لأمره والبعض يبقى ساكتاً بدون جواب ولهذا هناك هذه الحلقة الفارغة في الزردشتية وغير المفسر عنها.
ومن هذه الثغرة أعتقد البعض أن الزردشتية ليست دين توحيد حيث إلهان، خير وشر، لكن في الزردشيتة الشر ليس الإله العظيم الثاني إنما هو إله شر مثل إله الخير الذي هو أحد ملائكة (أهورا مزدا) والإنسان بما أنه خلق حر فهو في صراع قوي ليختار طريق الخير أو طريق الشر ولهذا يقبل (أهورا مزدا) بوجوده في وسط العالم (للحرية الإنسانية).
3_الخلق: إن وجهة نظر الزرادشتية في الخلق قد اختلطت بالأسطورة والخرافة وقد عدلت وحذف منها بعد الإسلام كل ما يتعلق بالنظرية القائلة أن الزمان هو أب كل شيء ووالدا الآلهة والنظرية الزرادشتية تقول بأن الدنيا تمر في دورات زمانية معينة.
في الأولى: يكون كل شيء من مخلوقات اتهور امزدا موجودا بالقوة (مينوكيها) ومدتها ثلاث آلاف سنة، وفي الثانية الشيطان (الريمان) يكون مشلولا في الظلومات لا يمكنه القيام بأي عمل (مكبل) ومدتها ثلاث آلاف سنة أيضا.
في الثالثة: يقوم (اهريمان)ويخرج من ظلمته ليقتل الإنسان الأول ولكن بعد أربعين سنة يخرج من هذا الإنسان الأول المخبأ بالأرض بذرة أول زوج من البشر وهنا تعود الحياة ويبدأ الصراع الطويل بين مخلوقات (أتهور امرضا) و(اهريمان) والإنسان في الزرادشتية حركي من ثلاثة عناصر:
الجسد الذي يفنى،
العقل أو القوى المدركة المسماة بالذكاء ،
الروح المسماة (فراواس) وهي الجزء الذي لا يفنى وهو الرابطة التي تربط الإنسان باهور امرضا.
الإنسان خلقا حر الإرادة يختار بها بين الخير والشر ولكن كل أفكاره وكلماته وأفعاله تكون مكتوبة في كتاب الحياة الذي سيكون دليلا لمكامنه قي اليوم الأخير وكما رأينا أن نفس الإنسان تبقى مسرح لصراع بين الخير والشر وهذا الصراع الداخلي يلزم الإنسان بأن يكون مجاهدا دائما ضد قوى الشر. وهذا ما يسمى بالفلسفة الخلقية في العقيدة الزرادشتية.
4- النــار: لقد بلغ من تقديس الزرادشتية للنار أن جعلوا لها بيوتا للعبادة. فيها يؤدون صلاتهم ويقدمون نذورهم وتقام حفلات الزواج والأعياد وكل المراسم التي لها علاقة بحياة الإنسان. الابستاق خمسة أنواع للنار: منها التي يشعلها الإنسان بالبيوت للانتفاع منها، ومنها التي تسري في عروقه لتعطيه الحياة الداخلية، وأخرى التي تسري في الحيوان والنبات وواحدة رابعة تلك التي تحدث بها العاصفة بين الغيوم والأخيرة وهي الأقدس تلك التي تنير الجنة تحت أقدام (اهورا مزدا)، وتعتبر النار أحدا مخلوقات (اهور امرضا) وتسمى أذر. ومن أشهر البيوت العبادية من زمان حكومة الساسانين حتى الآن هوى بيت نار (أناهيتا). وعندما يقومون بتأسيس بين عبادة جديدة ينقلون شعلة له من إحدى البيوت القديمة المقدسة.
5_المـوت والقيامـة: إن الزرادشتية تؤمن بمبدأ الثواب والعقاب بعد الموت الذي يعد فيه الجسد فاسدا ومادة بغيضة ملونة بعد خروج الروح منه، لهذا يحرم على الناس لمسه أو حتى حرقه بالنار لأنها تعتبر مقدسة. ولا حتى يتم دفنه لأنه تلوث الأرض التي هي مصدر رزق قوت للناس لهذا أوجدوا أبراج الصمت التي هي كناية عن أبراج صخرية كبيرة توضع عليها الجثث التي تلتهمها الطيور الجارحة فلا يبقى منها إلا العظام التي توضع بعد بئر لتتحلل إلى رماد
أما روح الميت فتبقى فوقه ثلاثة أيام قبل أن تحاكم وبعدها تذهب إلى جسر رفيع جدا يفصل هذا العالم عن الحياة الأخرى وهناك تتم المحاكمة وينظر إلى تصرفات وأفكار هذه الروح فإذا غلب عليها الصلاح والخير تجتاز إلى الطرف الأخر مقتادة من حورية جميلة إلى نعيم (اهور امزدا)
أما إذا غلب عليها الفساد والشر فتسقط في العذاب مقتادة من جنية سوداء حيث تتعذب هناك بالنار والظلام الكثيف إلى يوم القيامة.
وإذا تساوت أفعال الخير مع أفعال الشر تذهب الروح إلى مكان يسمى (همستكان) وهو منزلة بين المنزلتين وهو شبيه بالمطهر حيث تلقى الروح هناك عذابا مؤقتا يطهرها من الذنوب وبعد إتمام فترة العذاب تذهب إلى الجنة إن هذه العقيدة الخاصة بالقيمة الفورية أو الشخصية (لأنه هناك قيامة عامة و التي سنتكلم عنها فيما بعد).
تقوم على مبدأ واحد هو أن الإنسان يتم خلاصه بيده فالذي يزرعه إياه يحصده إن كان خيرا آم شرا. ولا نفع هنا لآي شفيع أو وسيط حتى الذبائح والصلوات لا تجدي ولا تؤثر على تغير مجرى هذه المحاكمة.
هذا ويؤمن الزرادشتيون (بالمسيا المنتظر) حيث يأتي بعد زرادشت ثلاثة مخلصين أخرهم هو المسيا الذي يولد من عذراء طاهرة من بذرة زرادشتا لمخبأة لهذا الغرض ويظهر ويعلن نظام جديد وعالم مجيد فيه تتم القيامة العامة ويفرز نهائيا الأشرار عن الصالحين حيث تلقى كل واحدة منهم النار المقدسة ولكن لا يكون لهل نفس الأثر للجميع، فالصالحين يرونها كالحليب الدافئ أما الأشرار فتكون لهم عذابا أليما يحرق كل شرورهم أما (اهريمان) وأتباعه فسيلقون في الهب حتى يفنون ويطرحون في الظلمة الخارجية وعندها يتحقق خلق الأرض الجديدة وأسماء الجديدة التي يسود بها البر والفرح والسلام إلى الأبد ويصير (أهورامزدا) الكل في الكل.
إن كل ما رأيناه عن عقائد ومقدسات ضمن هذه الديانة هي الأهم والأساس لهذه الديانة إلا انه هناك الكثير من المقدسات فيها منها اغلب مظاهر الطبية (كالماء والشمس .....)كما انهم يقدسون بعض الأحلاف التي كان يتميز بها (أهورامزدا) كالفكر الحسن والقول الحسن والفعل الحسن حيث إن جميعها تقود إلى السعادة والكمال والذي هو غاية حياة الإنسان على الأرض وهدفها الأول.
لم يلاحظ في الحيز الاجتماعي للابستاق انه كان هناك تميز بين رجل وامرأة في الحقوق والواجبات وذلك لأنه اهتمام التميز كان منحصراً على التميز بين الإنسان الجيد، الطيب و الإنسان السيء،الشرير.
أما الزواج فهو أمر مقدس في التقاليد الدينية ولهذا لا يوجد فيه تعدد للزوجات وهناك شروط ومراسم خاصة للزواج الذي له عدة أنواع منها الزواج العادي بين رجل وامرأة وزواج يشبه زواج الخطيفة وزواج الأرملة أو الأرمل وزواج ابنة لاقامة نسل لاهلها أو ابن لاهله.
عرف عن الزردشتين حسن الأخلاق والكفاية في العمل، والكرم في المعاملة وهم دائما موضع احترام من مواطنيهم وانهم ممارسون لشعائرهم الدينية على طريقتهم بهدوء وبلا تعنت.
يفرضوا على أطفالهم متى بلغوا السابعة من العمر طقس يشبه المعمودية عند المسيحيين حيث يلبسوهم قميصاً ويضعوا على وسطهم ميلاً دليلاً على أنهم اصبحوا من الجماعة، حيث يتعهد بممارسة الأفكار الصالحة والأقوال الصالحة والأعمال الصالحة والتمسك بدين زرادشت واعتباره دين الحق الأفضل لا يعملوا إلا الخير ولا ينطقوا إلا بالصدق وأن يمارسوا الطقوس في هياكلهم، أما أعيادهم فأغلبها موسمية حيث يتفق التقيد لها بموسم الحصاد وجني الثمار.
أما أكثر الأعياد شعبية فهو عيد رأس السنة الذي هو أول أيام الربيع (21أذار) يتم الاحتفال به على مدى خمسة أيام ولشدة التعلق به، يعيد له اليوم المسلمين والزردشتين هناك.
كان عندهم نوع من الاعتراف بالخطايا التي ارتكبت عن طريق الفكر والكلام أو العمل حيث أنهم يكفرون عنها بمهمات كانت تعطى لهم من قبل رجال الدين مثل: تنقية الأرض من الأوساخ وحفر الترع وإيصال الماء إلى الأرض العطشى.
كان عندهم خمس صلوات في اليم الواحد: الصبح-الظهر-العصر-الليل-الفجر. يقرأون بها مقاطع من الأبستاق وفيها بعض الابتهالات لإله.
والأهم بالنسبة للديانة المسيحية أنه كان عندهم نوع من طقس المناولة عند المسيحيين فيه يتم استحضار الشراب من نبات (الدوما) الذي لم يكن نباتاً فحسب بل الإله(هوما) على الأرض يسحق الإله ومن العصير يستخرج شراب الخلود وبهذا يكون الشراب حال من الماء ويقوم المؤمن بالتهام هذا القربان الإلهي بعد مرحلة تهيئة واستعداد وهذا القربان هو رمز مسبق للقربان الأخير الذي سيعطى في نهاية العالم ويجعل البشر خالدين.
ختاماً وبعد أن مررنا سريعاً على هذه الديانة المهمة وذلك بمعرفة حياة مؤسسها وبعض أهم عقائده وطقوسها وأعيادها لابد من أن نقول أنه كان لها تأثير كبير على بعض جوانب عقائدية في الديانات السماوية (اليهودية المسيحية الإسلامية).
مثل: فكرة الشيطان، وانتظار مخلص، والصراع الطويل بين الخير والشر، وانتصار الخير في آخر المطاف حيث اللقاء الإلهي، والسعادة الأبدية في الجنة(الملكوت، إذا جاز التعبير) إذاً فكرة الترقب وانتظار حياة أخرى سعيدة للمؤمن لم تكن جديدة في اليهودية.
لذلك تعتبر الزرادشتية من أهم الأديان الأسرارية والتوحيدية قبل الأديان السماوية الثلاث.
المراجـع:
1- مظهر سليمان، قصة الاديان، الطبعة الأولى، الوطن العربي للنشر بيروت 1984
2- حبيب سعد، أديان العالم، دار التاليف والنشر للكنيسة الأسقفية،القاهرة 1984
3- د. صعب أديب، الأديان الحية نشوؤها و تطورها، طبعة أولى دار النهار بيروت1993
4- العميد محمد الأسود عبد الرزاق، المدخل الى دراسة الأديان والمذاهب، المجلد الأول،طبعة أولى دار العربية للموسوعات بيروت1981