أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
الصفحة الرئيسية > دينيات > عامة
الموسيقى بين الكنيسة والجامع                                                                                                     الأب يوحنا اللاطي

مقدمــة:
   يتناول هذا المقال الموسيقى عند الإسلام ويبين نقاط التقاء هذه الموسيقى مع الموسيقى عند المسيحيين، منهجياً، سنتناول بشكل أساسي الموسيقى في الإسلام، ونقيم مقابلة شيئاً فشيئاً مع الموسيقى في المسيحية.
  ففي القسم الأول: نعرض موقف الإسلام من الموسيقى.
  وفي القسم الثاني: نتناول ترتيل القرآن، أسلوب هذا الترتيل، ولحنه، وإيقاعه، والتدوين الموسيقي، وموقف الإسلام منه.
  وفي القسم الثالث: نتناول الآذان، ودوره ولحنه.
  وفي القسم الرابع: نعرض موسيقى المتصوفة.
  أما في القسم الأخير: نقدم خلاصة في التقارب والتباين بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الجامع.

 هذا المقال يساهم في التقارب الروحي والديني ويندرج في إطار العلم الموسيقي الديني المقارن والعام، وهو تحية إلى من لا يمل منه الإلهام ونحن، المفكر المتألق، الشاعر، الموسيقي، العلامة، المطران جورج خضر.

1- موسيقى الجامع:
   موسيقى الإسلام عبارة فيها تناقض، لأن الإسلام لم يصف قط إنشاد القرآن أو طقوس الدراويش كموسيقى، أو كغناء وذلك كي يقصي كل ما يمكن أن تدل عليه الكلمة من شعبي أو دنس، استعمل عبارات كالتجويد، والإنشاد، والترتيل، والتسبيح، كي يكفل لنفسه تعابير خاصة لا تذكّر بأي حال من الأحوال بما يجري خارج الجامع، أتى عداء الرئاسات الدينية الإسلامية للموسيقى منذ بدء الإسلام من علاقة الموسيقى باحتفالات شعبية يسودها الرقص الخلاعي وشرب الخمرة التي كانت تضعف الروحيات وتنافي الخلاق عند المؤمن.

ما يؤكده علماء الإسلام دوماً هو أن لا علاقة البتة بين الإنشاد القرآني والغناء الشعبي، عداوة المشّرعين للموسيقى دعتهم إلى التمييز بين ما هو مقبول وبين ما هو غير مقبول، المقدس والدنس، ورفض ما يمكن إثارة الأحاسيس والنشوة، من هنا عداء العديد من السنّة الأرثوذكس لموسيقى الصوفيين الدراويش ورقصهم اللذين يحملان عناصر انفعالية، وعداؤهم لاستعمال الآلة.
  ليس للاسلام موسيقى رسمية أو نظرية موسيقية كما الحال لدى المسيحيين، التقليد الاسلامي تقليد شفهي بحت، وقد أقصيت كل محاولة تدوينية (موسيقية) ما خلا النص.

2- ترتيل القرآن:
  
يُرتَل القرآن في كل العالم الإسلامي، الترتيل أحادي الصوت، هناك القراءة والتلاوة والتجويد، فالقراءة هي أداء الكلام بشكل منمّق، والتلاوة نوع من ترتيل، والتجويد ترتيل مزخرف.
   التلاوة والتجويد أتيا وتطورا من تقييد غناء النصوص الدينية عند أديان الشرق الأوسط زمن النبي، الرأي السائد هو أن ترتيل القرآن يرتبط بغناء الصحراء القديم وبإيقاعاته، وهناك حديث عن النبي يقول: "أتلوا القرآن وأنتم تستندون إلى الحان ونغمات عرب نجد (...) وليس إلى ألحان الذين أوتوا الكتب (اليهود والمسيحيين).
   لا ينشد القرآن سوى الرجل، والإنشاد ينتقل شفاهاً من جيل إلى جيل ومن بلد إلى بلد آخر، هو فن في القراءة عبر تحكم في اللفظ وتمويج للنص وقذف الكلمات الإلهية من دون وزن وضابط، الكل يخدم الكلمة ومعنى النص ولا يستند أبداً إلى الألحان العامية.

2-1 أسلوب الترتيل:
  
يستند ترتيل القرآن إلى تواتر بين الصمت الفعلي والنطق الكلامي، وهذا يستعيد ما كان يجري مع النبي الذي كان يتلقى كلمات الملاك جبرائيل وإعلانه ثم يقرأها، بعد لحظات صمت يتلو الآيات التي كان ينزلها عليه جبرائيل وكان يجهد أن ينقلها كما كان يسمعها، وعندما كان يستعجل التلاوة كان صوت من داخله يأمره بالعودة إلى إيقاع التنزيل ويقول له: "لا تحرّك به لسانك لتعجل به! إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرأنه! ثم إن علينا بيانه (!لا!لا!) كلا! بل تحبون العاجلة!" (سورة 16:75-20).
   يقول التقليد أيضاً إن النبي كانت تعتريه انفعالات قوية عندما كان ينزل عليه الوحي، وهذا تمثله الجماعة المصلية التي تعتريها القشعريرة ذاتها: بعد كل تجويد يصرخ الجميع "الله" والجسم في تمايل النشوة والانفعال.
   الآيات مقفاة نثراً، والترتيل يتبع نموذج الكلام، ويجب أن يتواتر إذاً الأداء القوي للنص مع الصمت - الصدى، صوت المنشد يجب أن يكون جميلاً والنطق كاملاً، والحروف واضحة كل الوضوح.

2-2 لحن الإنشاد:
   لحن ترتيل القرآن (ذياتوني) أو طبيعي أساساً، ويرتكز على مفهوم الديوان الموسيقي (الجواب أو القرار)، وهو مستقل مبدئياً عن المقام العربي الغني في اشتقاقاته اللحنية، غير أنه في أيام هارون الرشيد القرن الثامن كان قارئه يرتل القرآن بما يشبه اللحن الشعبي، وقد رفضت السنّة هذه القراءة وأسمتها "قراءة بالألحان" غير أنها انتشرت سريعاً في الشرق والغرب وإسبانيا.

2-3 الإيقــاع:
   ليس من إيقاع محدد، والإيقاع حر، يبدو كنمط لحني متموج يتكيف بسهولة مع كل تجليات الصوت في إخراج مائع للجملة المتحررة من كل عبء مادي.

2-4 التدويــن:
   لا يسمح الإسلام بأي تدوين للتجويد القرآني، مع أن المسلمين عرفوا أنظمة تدوين الشعوب التي تأثروا بها، اليونانية، والفارسية، والأرمنية، والهندوسية، ومع أنهم لم يجهلوا لا فيثاغورس ولا أفلاطون ولا تدوينات عرب اسبانيا، وعرفوا جيداً وبشكل خاص قواعد التدوين الليتورجي لمسيحيي الشرق الروم الأرثوذكس، ويعزى إقصاء التدوين إلى:
   1- الرغبة القوية في فصل التجويد عن كل ما هو غنائي شعبي: فكل تقريب بين التجويد والغناء كان يعد هرطقة كبيرة، ومن سمات الغناء الشعبي التدوين.
   2- كل إضافة إلى النص القرآني المكتوب تعتبر تشويهاً لجمالية هذا النص، للسبب ذاته رفض الإسلام في البدء التنقيط الذي فرض ذاته لاحقاً علاجاً لانتشار اللحن أي الخطأ في تكلم اللغة.
   3- لا يجوز تقييد التنزيل الملائكي (الإلهي)، من هنا أهمية التناقل الشفهي الذي كان ولا يزال وسيلة استمرارية الترتيل الأولى والخيرة: الشيخ يعلّم تلاميذه، والتلاميذ بدورهم يلقنونها لتلامذتهم وهكذا دواليك.

3- الآذان:
   دور الآذان هو تذكير المسلم بفرض الصلاة، يهطل الآذان على المؤمنين من فوق ويسيل على الأجسام، صوت المؤذن سماوي يُسكب على العباد ويفعِّل فيهم اليقظة الروحية، ويُرتَل الآذان ترتيلاً، كان ذياتونياً في البدء، ثم صار في مرحلة لاحقة على مقامات متعددة تبعاً للأمكنة، وكل فروع الإسلام تقبل ترتيل الآذان، كما في ترتيل القرآن يجب أن يكون الآذان مفهوماً واللفظ واضحاً، هو ديواني بامتياز، يتغير شكله الموسيقي من بسيط إلى مزخرف تبعاً للأمكنة، ربما المغاربة أكثر تقشفاً في تلحين الآذان من بقية المناطق الإسلامية، والتركيب الإيقاعي للآذان يتأثر بقوة المقاطع في النص وترتبط الزخرفات عملياً ببعض الكلمات والجمل الختامية، وقد وضعت المدارس المحلية قواعد تضبط اختيار المقامات للآذان لكن نادراً ما قبلت أو طبّقت هذه القواعد.
   الاستعمال الحديث للمسجلات ومكبرات الصوت في المدن بخاصة، وإبدال الصوت البشري بتسجيلات جاهزة أديا برأينا إلى انحطاط في قيمة الآذان ومستواه، وكان دوي المسلمين في مساجدهم "كدوي النحل، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل"، دوي النحل تحول إلى أن يكون صوتاً صاخباً لا قيمة روحية حية له: كان المؤذن في ارتقائه اللولبي (للمئذنة) خمس مرات في اليوم يشبه موسى الصاعد إلى جبل ثابور وبهذا الارتقاء يولد المؤذن للفضاء الإلهي، هناك فوق يلقاه الإله بعد أن تنقّت نفسه في صعودها وارتفعت عن العالم: "الله أكبر" تصدرها، فوق، نفسٌ هي والله، على بساط الهدوء والصمت، في جوار وعشرة.
   إلى ترتيل القرآن والآذان، تُضاف طبعاً أناشيد الاحتفالات في الحج في شهر رمضان وفي المولد، وفي المعراج، وفي أيام الجمعة، كانت هذه الألحان ذياتونية أساساً ثم بتأثير تركي (القرن 18) خضعت للمقامات.

   4- المتصوفــة:
   رفض الإسلام كل ما يثير الأحاسيس، ومن هنا رفضهم المتصوفة التي تستلهم الموسيقى (السماع9 في وجدها ورقصها الروحي، رفض الموسيقى صوتاً وآلة، علا منذ أيام الأمويين (وهذا يشبه بعض التوجهات الرهبانية المصرية القديمة الصارمة في الكنيسة الشرقية) الفن الصوفي رفض الألحان العامية ولم يستعمل من الآلات سوى الناي والمزمار، غير أن المولوية في تركيا (القرن 15-17) التي أسسها جلال الدين الرومي في القرن (13) والتي اعتبرت أن الرقص مهم كالذكر، والرقص المولوي الدائري الرمزي نشأ في القرن (17) فقد طوروا موسيقى رهبانية خاصة والعديد من الآلات، في الإمبراطورية العثمانية، تأثرت موسيقى المولوية الرهبانية بالألحان والآلات الشعبية لذلك نجد في موسيقاهم عناصر كالبشرف والتقسيم، إقفال الأديرة الصوفية في عام 1925 أدى إلى انهيار موسيقاهم، موسيقى الدراويش الشعبية لا تزال حية في شمال أفريقيا في المغرب ومصر وفي سوريا والعراق وفي بعض مناطق إيران والقوقاز والهند وباكستان.
   ترتكز الطقوس الوجدية الصوفية على الذكر والرقص، الذكر يرتكز على تقنية في التنفس مع ذكر متواصل لله بكلمة "هو" أو "الله"، وهذه تقنية موجودة عند الهدوئيين المسيحيين وهي تقنية صلاة يسوع، والذكر إما بصمت وإما مصوتاً وإما مرتلاً ويسمح في الوقت ذاته بالرقص الدائري الذي يكفل الارتقاء اللولبي إلى الكواكب السماوية والاتحاد بالألوهة، ومنذ بدء التصوف في الإسلام اعتبر الرقص أو الحركات الوجدية للجسد كعبارة عفوية عن الإحساس الذي تولده الخبرة في الإله، فحركات الرأس واليدين مع الخطوات البسيطة التي ليست رقصاً بكل معنى الكلمة لا تزال موجودة في ممارسات الجماعات الوجدية الصوفية،(والكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية هي الوحيدة التي لا تزال تستعمل في طقوسها نوعاً من رقص رمزي يتنوع بين الخطوات البسيطة والواسعة إلى الأمام وإلى الوراء مع التصفيق الإيقاعي يتغير رمز الخطوة ومعناها تبعاً لاتساعها) وتواتر جماعات الدراويش الذكر بقراءات من القرآن والصلوات والتراتيل.

5- الخلاصــة:
   هذه بعض من نقاط التقارب والتباين بين الموسيقى الإسلامية والموسيقى المسيحية:
   1- كلتاهما متفقتان على إقصاء الآلات الموسيقية.
   2- كلتاهما متفقتان على إقصاء الشعبي المرتبط بالرقص الخلاعي.
   3- في كلتيهما التناقل الشفهي أساس.
   4- في المسيحية هناك تدوين موسيقي، بينما في الإسلامية ليس من تدوين أبداَ.
   5- في كلتيهما تفضيل للذياتوني على الملون الذي يدل بعامة على الرخاوة ويثير الأحاسيس.
   6- كلتاهما تدفعان المؤمن نحو الله، عموماً، الكنيسة تغرق المصلي في الهدوء والصفاء، بينما الإسلامية تثير فيه الانفعالات والقشعريرة المحمدية الإلهية.
   7- الموسيقى الإسلامية هي تواتر بين الصمت الفعلي والنطق الكلامي في ترتيل القرآن: مدة الصمت عموماً تساوي مدة الترتيل، في الكنيسة ليس هناك من صمت بهذا الأسلوب، الصمت، لباس اللحن النسكي، يكتنف اللحن والكلام، في الإسلام تقريباً الصمت ناطق بينما في المسيحية الكلام صامت.
    8- الأهم أن كلاً منهما ابنة لله.

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم