ذات مرة عاقب القديس يوحنا الرحوم بطريرك الاسكدرية اثنين من الاكليريكيين وحرمهما من الخدمة بسبب عداوة نشأت بينهما، فالأول تقبل الحرم بسرور وغبطة، والثاني إذ كان كسولاً ومتهاوناً اغتنم الفرصة وانقطع عن متابعة الخدم الإلهية والصلوات، وانصرف إلى إشباع نفسه من الشهوات والرغبات، والأسوأ من ذلك فقد اخذ يهدد البطريرك مستغلاً بساطته وكثرة صلاحه.
فلما علم القديس يوحنا بالأمر فكر بأن يدعوه إليه ويمنحه الصفح حتى لا يقع فريسة بين أنياب الشيطان، لكنه بتدبير الهي سها عن تنفيذ قراره وذلك لكي تظهر عظمة تواضعه وكثرة عطفه على المذنب.
وفي يوم الأحد وبينما كان يقيم الذبيحة الإلهية في الهيكل، وفي تلك اللحظة بالذات وعندما حان وقت إزالة الستر الكبير عن القرابين المقدسة خطر على ذهنه ذلك الذي كان يُضمر له الشر، وتذكر وصية السيد المسيح التي تأمر بترك القرابين أمام المذبح والذهاب أولاً إلى الأخ المخاصَم ومصالحته ومن ثم تقديمها إلى المذبح، فخرج من الهيكل وأشار إلى الشماس بأن يردد الطلبات عدة مرات إلى أن يرجع متظاهراً بألم في بطنه، بعد أن أرسل أناساً ليُحضروا له بالسرعة الممكنة ذلك الاكليريكي المعاقب.
وعند حضوره سقط البطريرك يوحنا عند قدميه دون أن يخجل من الحاضرين أبدا،ً وطلب منه السماح، فلما شاهد الاكليريكي هذا المنظر المؤثر بهت جداً ولم يعد يحتمل ذلك المشهد فسقط هو أيضاً عند قدمي البطريرك يوحنا طالباً منه الغفران، لأنه خاف أن تسقط عليه نار من السماء إذا استمر مصراً على رأيه الشرير، فالتفت إليه لبطريرك بعطف كبير وقال له : " ليسامحنا الله كلينا، يا بنيّ ".
فأخذه معه وأدخله إلى الهيكل بفرح وسرور بالغين، وتابع البطريرك قداسه، وعند تلاوة الصلاة الربية هتف عالياً وبكل جرأة وشجاعة :
" واترك لنا ما علينا، كما نترك نحن لمن لنا عليه"
وعلى اثر تلك الحادثة أظهر الاكليريكي رصانة وحشمة جعلتا البطريرك يعتبره مستحقاً لدرجة الكهنوت.