في فترة المسيحيين الأولى إننا نرى كم من الصالحين استشهدوا بالدم من اجل المسيح، واعترفوا به حتى النهاية هؤلاء الجنود هم جنود المسيح البسلاء، تقبلوا الموت ونالوا إكليل الحياة الأبدية، واضعين لا حداً للحياة بل انطلاقة لحياة لا تزول، والدافع لكل ذلك كان عشقهم للرب يسوع الإله الذي أحبهم أولاً، وصُلب في سبيل خلاصهم، وقام من بين الأموات، لذا اعتبروا الاعتراف به عن طريق الاستشهاد شرفاً لهم، وقد جاؤوا من كل صوب ومن كل مهنة والبعض كان جندياً والآخر ضابطاً في الجيش، وغيرهم طبيباً وحتى أميراً.
كان القديس ايليان شاباً فتياً من سوريا، في مسيرته المسيحية في الحياة لم يقدم لنا أعمالاً لاهوتية، بل قدم شهادة مسيحية مميزة كطبيب شاب جريء، تعذب واضطهد وكتب آخر صفحة من حياته بدم الاستشهاد.
ولد القديس في مدينة حمص التي كانت قديماً "ايميسا" في سوريا، في أواسط القرن الثالث الميلادي، ونشأ في عائلة وثنية نبيلة وغنية واكتسب ثقافة عالية، وأصبح طبيباً ماهراً يطبب الناس مجاناً في كثير من الأحيان، فذاع صيته في المدينة، وكان يمارس المحبة المسيحية من خلال مهنته، ولا نعرف بالضبط كيف صار مسيحياً، لكن إيمانه الحار وفضائله الكثيرة جعلت الرب الإله يمنحه موهبة الشفاء وقوة إخراج الأرواح الشريرة.
لقد عرفه الكثيرون من أطباء المدينة مع شهرته وفضائله، فحسدوه وقرروا إلحاق الأذى به، والإنجيل المقدس يقول: "ليس عبد أعظم من سيده"، إن اضطهد السيد وصلبوه حسداً فكيف يوفرون عبده الأمين ايليان؟..
اضطهاد الدولة والعائلة:
كان أهله وثنيين على غرار معظم سكان حمص، فانتشر الخبر بأن ولدهم مسيحي مؤمن، وفي الوقت نفسه اصدر الحاكم امراً باضطهاد كل من آمن بيسوع الناصري وبتوقيفه، فبادر أبوه بكونه ضابطاً رفيع المستوى في إمرة الحاكم، ليظهر وفاءه للدولة، فأخذ يوقف كل المسيحيين في المدينة، فألقى القبض على الأسقف سلوان مع تلميذه الشماس لوقا والقارئ موكيموس، ورماهم في السجن بعد أن أثخنهم ضرباً بلا رحمة، ثم ربطهم بحبل وجرتهم عربة في شوارع المدينة لإعطاء المثل وترهيب المسيحيين. "طوبى لكم إذا اضطهدوكم وعيَروكم...من اجل اسمي...لأن أجركم عظيم في السماوات" (متى 11:5-12).
بعد أربعين يوماً من سجنهم دعاهم الحاكم للمحاكمة واخذ يهددهم بكل أنواع التعذيب، أما هم فأجابوه: "نحن نعبد المسيح ربنا ومخلصنا، نركع أمامه مقدمين له حياتنا كذبيحة، أما الآن فأجسادنا هي أمامك افعل بها ما شئت".
فاغتاظ الحاكم وأمر جنوده برجمهم ، في حين الأسقف سلوان مع تلميذيه كانوا يصلون ليعطيهم الرب القدرة على الصمود حتى النهاية، فكان فكرهم مع الرب الذي قال: "مَنْ اهلك نفسه من اجلي يجدها" (متى 39:10).
اعتراف ايليان العلتي بايمانه:
لم يستطع ايليان احتمال رؤية أسقفه العزيز في هذا العذاب الشديد، فتسرب إلى السجن واستخدم كفاءته كطبيب ليضمد جراحهم فأوقفه الجند وساقوه إلى أبيه الذي أسلمه إلى الحاكم، ألم يقل الكتاب المقدس انه في آخر الأزمنة سينقلب الأب على الابن والابن على الأب، وسلم الحاكم ايليان مرة أخرى إلى أبيه وأعطاه السلطان ليفعل به ما يشاء فأودع الأب ابنه في السجن وأمر الجند بإلقاء الأسقف وتلميذيه غذاءً للوحوش المفترسة في الساحة إلا أن الله أنقذهم وأرسل عاصفة قوية ضربت السجن والمدينة فهربت الوحوش وهرب السجناء.
حينها استطاع ايليان الفرار من السجن واللحاق بأصحابه، فجعلت العاصفة الكثيرين يؤمنون بالمسيح، فأمر الحاكم بالقضاء على المسيحيين ما عدا ايليان، وراح الوثنيون يستهزؤون بالقديس وإلهه الذي لم يستطع إنقاذ مؤمنيه، والقديس كان يطلب منهم إطلاق سراحه ليجعل إلهه يهدم جميع الأصنام الوثنية.
استشهاد القديس ايليان:
كان الأب في البداية يريد إنكار ابنه للمسيح، لذلك أمر الجنود بربطه بحصان وجره في شوارع حمص، لكن ايليان اظهر شجاعة أعظم، وواجه قساوة أبيه وحسد الأطباء وهزء الذين شفاهم مع ألم العذاب الجسدي، وعندما وصل أمام بيت أبيه صرخ: "أنا ايليان الطبيب المسيحي، أؤمن بالمسيح الذي أتى لخلاص العالم وارانا طريق الحياة"، عندها رُجم بالحجارة ووضع في السجن من جديد وتذكر قول سيده: "إن كان احد يأتي إلي ولا يترك أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته وحتى نفسه فلا يستطيع أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 26:14)، و"ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب..تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم ذبيحة لله..انتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح" (متى 16:10).
استمرت عذابات القديس ايليان /11/ شهراً، حاول خلالها الأب إقناعه لينكر المسيح مرسلاً إليه أشخاصاً عديدين، لكن العكس حصل إذ أن المرسلين كانوا يعتنقون المسيحية ويطلبون المعمودية، فخرج الأب عن طوره وحلف بإهلاك ابنه مما جعله يقضي على شعوره الأبوي فأمر بغرس المسامير في رأس ابنه وفي رجليه، وجعله يتعذب العذاب المرير فحمل ايليان عذابه وسار به وحيداً إلى مغارة خارج المدينة وصلى وأودع روحه الطاهرة بين يدي الرب فنال إكليل الشهادة من الرب يسوع في 6/شباط/284.
في اليوم التالي حدثت رؤيا لبعض المسيحيين قادتهم إلى المغارة حيث كان جسده الطاهر، فأخذوه سراً وأخفوه في مكان من المدينة، فأصبحت منبعاً للأشفية والبركة لكثيرين من المؤمنين عبر الأجيال، واخذ المسيحيون يقيمون ويحتفلون كل سنة بتذكار استشهاده.
طروبارية:
أيها القديس اللابس الجهاد والطبيب الشافي اليان، تشفع إلى الإله الرحيم أن ينعم بغفران الزلات لنفوسنا.