أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
الصفحة الرئيسية > قديسون وشهداء
القديس يوحنا الدمشقي والقديسة بربارة

القديس يوحنا الدمشقي:                                      4/كانون الأول

ولد في دمشق عام 676 ميلادية، وهو ابن سرجون و لين، ووالده كان يسمو بالفضائل الكثيرة، منها وضعه في مكان مرموق في الدولة العربية، وفضيلته الكبيرة في إسعاف المحتاجين والأسرى ومساعدتهم في العيش الكريم، وكان سرجون يتمنى أن يتلقى ابنه يوحنا العلوم والفلسفة، إلى أن عثر سرجون على راهب طاعن في السن فيلسوف وقور كان أسيراً بين الأسرى اسمه "قزما" قد فك أسره واشتراه من الجنود العرب، واحضره إلى منزله ليلقن يوحنا وأخاه بالتبني الشاب "قزما الأورشليمي" الذي تربى مع يوحنا وأصبح أخاً له، على أن يلقنهما العلوم التي يعرفها، فسلمه المنزل الذي أصبح رئيساً ومسؤولاً عليه في غياب الوالد عن المنزل.

 تلقى يوحنا وقزما الشاب العلوم وأبدعا بها، وتزينا بالفضائل المسيحية التي اشتهرا بها، وأطلق سراح الشيخ قزما حسب الاتفاق الذي كان بينهما على أن يُطلق سراحه بعد أن يلقن يوحنا وأخاه قزما الشاب جميع العلوم، فذهب هذا الراهب إلى دير القديس سابا ليتابع حياته النسكية حسب رغبته، وبعد مدة رقد بالرب سرجون والد القديس يوحنا الذي كان يعمل مستشاراً للخليفة يزيد بن عبد الملك، فأراد الوالي أن يولي القديس يوحنا مكان والده لما تحلى به من فضائل وسمعة حسنة، وأصبح يوحنا من مستشاري الوالي، هذه الوظيفة التي كانت السبب في قطع يده حيث كان الكثيرون يتمنونها عوضاً عنه، ولكنهم لم يحصلوا عليها، فحملوا له الضغينة والحقد وراحوا يتحينون الفرص السانحة لإبعاده عنها والحصول عليها.

 وفي القسطنطينية كان يحكم الإمبراطور لاون الثالث محارب الأيقونات البغيض، والذي تلقى عدة رسائل من يوحنا يؤنبه فيها على محاربته للأيقونات المقدسة، وبغضه للرهبان ورجال الكنيسة المؤمنين بها ومحارتهم وقتلهم واضطهادهم، فما كان من هذا الإمبراطور الحاقد إلا أن يبيِّتَ الحقد والانتقام من القديس يوحنا، فأخذ إحدى رسائله المؤنِّبة التي كان يتسلمها من يوحنا، وسلمها إلى كتَاب أذكياء يستطيعون تقليد خطه وأسلوب كتابته وألفاظه، فكتبوا رسالة مزورة ومقلدَّة موجهة إلى الخليفة يزيد عن لسان يوحنا، مفادها بأن يوحنا راح يطلب من الإمبراطور الإسراع إلى احتلال دمشق ونجدة المسيحيين فيها من الحكم العربي، وان دمشق مدينة غير محروسة ويمكن الدخول إليها بسهولة ويسر والسيطرة عليها..الخ..

 عندما وصل الكتاب إلى الخليفة دعا يوحنا فوراً للمثول أمامه وأطلعه على الكتاب الذي وصله من الإمبراطور لاون ملك الروم، وعلى ما يحتويه من كلمات خيانة، فأنكر يوحنا صحة الكتاب، إلا أن الخليفة الذي كان يستشيط غضباً لم يحقق جيداً بصحة الأمر، ورفض أن يسمع شيئاً من يوحنا، فأمر بقطع يده اليمنى وتعليقها في وسط دمشق.

 عند المساء أرسل يوحنا إلى الخليفة يطلب منه أن يعيد له يده المقطوعة كي يدفنها بالتراب ليخفف من ألمه، فأمر الخليفة بإعادة يده المقطوعة، فدخل يوحنا إلى غرفته وطرح نفسه على الأرض بدموع غزيرة، وراح يصلي بحرارة وألم للسيدة العذراء متوسلاً إليها أن تشفيه، فيهب حياته لخدمتها وخدمة ابنها يسوع المسيح المخلص، وقال لها:

" أيتها السيدة القديسة والدة الإله الكلمة الأزلية، المتجسد من دمائكِ النقية، لمحبته الجزيلة للبشر، أسألكِ أن تتوسلي إليه من اجلي، وتتشفعي عنده لكثرة حزني وشدة ألمي، إذ هو عارف بمصابي وما انتهت إليه حالتي من مكيدة محاربي الأيقونات الذين جاهرت في تفنيدهم، وإبطال سوء معتقدهم لحرارة أمانتي وكثرة محبتي لإلهي ربنا يسوع المسيح الحي الأزلي ابنكِ وإلهلكِ، إلى أن حرّكَ عدو البشر إبليس حيلته عليَّ وقطع يدي، والآن أمدها إليكِ يا طاهرة لترديها إلى ما كانت عليه كاملة صحيحة معافاة، وتظهري في عبدكِ جزيل تحننكِ كي لا يبطل لساني ما عشت حياً عن مدحكِ، لأنكِ بالحقيقة قادرة على ما سألتكِ بقوة المتجسد منكِ خالق البرايا بأسرها، وضابطها ومدبرها الذي له يجب التسبيح والوقار إلى دهر الأدهار، آمين".

وبعد أن أنهى صلاته شعر بالنوم العميق، فرأى العذراء بشكلها وهيأتها ناظرة إليه وقالت له:

"امدد يدك" فلمستها وقالت له: "افرح فقد عوفيت يمينكَ، فأنجز لإلهك نذرك ولا تؤخر عهدك".

فاستيقظ يوحنا وهو فرح ومسرور ونهض مصلياً وشاكراً، ورنَّم بما يلائم سرعة إجابته، وتمم صلواته طول الليل، وجلس في منزله مستقراً شاكراً لله تعالى جزيل نعمه.

ولكن أمره لم يخفَ عن أعدائه، فوشوا به للخليفة بأن يوحنا لم تقطع يده كما أمر، وبأنه قد بذل الأموال لجلاديه فلم يقطعوا يده وذهب إلى منزله صحيح اليدين مسروراً بما فعله، فطلب الخليفة إحضاره وتحقق من أمر شفائه بقوة الرب يسوع، وطلب منه العودة إلى وظيفته بعد أن اعتذر له عن سرعة قراره بالقطع، إلا أن يوحنا اعتذر عن تلبية طلبه، وطلب من الخليفة إطلاق سراحه ليذهب إلى الدير متعبداً ومتفرغاً كما وعد لخدمة السيدة العذراء وربه يسوع المسيح الذي أمر بشفائه.

دخل يوحنا دير القديس سابا في أورشليم، وأصبح فيه ناسكاً متعبداً للرب يسوع، إلا إن بعض شيوخ الدير أثقلوا عليه العمل فتعذب جداً، وبما انه ناظم للتسابيح والترانيم والألحان طلب منه احد الرهبان أن يلحِّن له مقطعاً يرثي به احد إخوته الراقد، ففعل يوحنا ما طُلب إليه، إلا أن هذا العمل أثار غضب احد شيوخ الدير معلمه وعاقبه عليه بتنظيف أماكن فضلات الرهبان، وطلب منه أن لا يعود إلى الترنيم والتلحين أبداً.

وبعد أيام قليلة ظهرت السيدة العذراء لمعلمه في النوم والتي انزعجت من هذا التصرف لأن يوحنا كان قد وعدها بتنظيم التسابيح لها وللرب يسوع، وهذا الشيخ يمنعه من ذلك، وقالت له: "لماذا تسد الينبوع أن يفيض ويجري؟.. فإن تلميذك يوحنا عتيد أن يجمِّل كنيسة المسيح بأقواله، ويزيِّن أعياد القديسين بترانيمه الإلهية، ويتنغم المؤمنون بعذوبة ألفاظه، فاطلقه منذ الآن أن يقول مهما شاء، فإن الروح القدس المعزي ينطلق على لسانه".

ومنذ ذلك الحين أطلق الشيخ يوحنا وسمح له أن يعمل ما يشاء بكل حرية، ويكتب ويرنم وينظم التسابيح كما يشاء ويرضى، وقد سامه بطريرك القدس كاهناً فزاد في الحياة النسكية نسكاً، وانفرد إلى تأليف التسابيح التي عمَّت المسكونة كلها.

جاهد القديس يوحنا الدمشقي ضد محاربي الأيقونات جهادات كثيرة، وصار موبخاً للملوك والرئاسات الكهنوتية التي سارت وراء محاربي الأيقونات وعملت معهم دون خوف أو وجل من احد، فدافع بكل حرارة وشجاعة وجرأة عن الإيمان المستقيم، وأعاد الكثيرين من ماقتي الأيقونات إلى احترامها وتوقيرها، وكان يردد قول القديس باسيليوس الكبير: "إن إكرام الصورة واصلٌ إلى عنصرها الأول والأساسي".

رقد بالرب يوحنا عن شيخوخة متناهية أمضاها بالجهادات الحسنة في خدمة سيده الرب يسوع ووالدته الكلية القداسة، وفي التعليم والتأليف والتسابيح والألحان الكنسية والترانيم التي ما زالت كنائسنا حتى يومنا هذا تترنم بها، وقد رقد عام 780 ميلادية عن عمر يناهز 104 سنوات، فبشفاعاته أيها الرب يسوع ارحمنا وخلصنا، آمين.

طروبارية القديس يوحنا:

ظهرت أيها اللاهج بالله يوحنا، مرشداً إلى الإيمان المستقيم، ومعلماً لحسن العبادة والنقاوة، يا كوكب المسكونة وجمال رؤساء الكهنة الحكيم، وبتعاليمك أنرت الكل يا معزفة الروح، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.

 طروبارية أخرى:

هلموا نمدح البلبل الغرّيد الشجي النغم، الذي اطرب كنيسة المسيح وأبهجها بأناشيده الحسنة الإيقاع، اعني به يوحنا الدمشقي الكلي الحكمة، زعيم ناظمي التسابيح الذي كان مملوءً حكمة إلهية وعالمية.

 القديسة بربارة:

صبية يتيمة الأم عاشت في كنف والدها وكانت خارقة الجمال وحادة الذكاء، ولأنها كانت تعيش وحيدة بدأت ترى الأصنام التي يتمسك والدها بعبادتها ليست إلا حجارة لا حياة فيها .

قادها تأملها إلى البحث عن الإله الحقيقي وعرفت من خادمتها المسيحية بوجود عالم مسيحي كبير في معهد الإسكندرية اللاهوتي في مصر اسمه اوريجنس، وتعمقت بالإيمان على يد أحد تلاميذه واقتبلت المعمودية والقربان المقدس، وفي غياب والدها حطمت الأصنام الموجودة في حديقة القصر الذي بناه والدها لها لتكون أسيرته وبعيدة عن لقاء الشبان، ورسمت صليباً كبيراً على حائط غرفتها، ولما عاد والدها ورأى ما حصل غضب كثيراً وسلمها إلى الوالي الذي حكم عليها بأن تضرب بالسياط حتى تنكر إيمانها بالمسيح، إلا أنها أبت بشدة، ولما أغمي عليها من الألم زجت في السجن، وفي الليل أرسل الله ملاكه ولمس جراحها فشفيت، ولما وقفت في اليوم التالي أمام الوالي سليمة معافاة آمن كثيرون من الشعب الواقف واعتمدوا، أما والدها فاشتد غضبه وطلب من الوالي أن يقطع رأس ابنته بيده لكن الوالي أطلق سراح بربارة فطاردها والدها إلى أن وجدها وقطع لها رأسها بيده خارج المدينة، وعندما عاد وهو يحمل رأسها إذا بنار تنزل عليه من السماء وتبتلعه جزاء فعلته وكان ذلك عام 235 م.

يحكى أن بربارة وهي موجودة في السجن سمعت الحراس وهم يتكلمون فيما بينهم، على أن الوالي قرر بمشورة من والدها، على أن يسمم الخبز في جميع أحياء المدينة في يوم محدد، لكي يشتري منه المسيحيون ويأكلون منه فيتم القضاء عليهم قضاءً مبرماً، فدعت أحد الحراس الذي كان قد آمن بالمسيح على يدها، وطلبت منه الذهاب إلى بيوت المسيحيين الذين يعرفهم، ويبلغهم بالنبأ كي يحذروا من شراء الخبز في ذلك اليوم الموعود، فذهب إليهم متنكراً بزي فقير كي لا يكشف أمره، وبلغ بعض الأسر التي يعرفها وهم بدورهم تنكروا بأزياء مختلفة عن المألوف، ونشروا الخبر بين جميع الأسر المسيحية، وفي اليوم المحدد راح المسيحيون يطبخون الحنطة ويأكلونها، وامتنعوا عن شراء الخبز من أفران الأسواق الذي تم رميه بعد أن نال منه العفن، لأن كلا الجنبين المسيحي والوثني لم يشتريا منه، وهكذا نجا جميع المسيحيون من الكارثة التي كانت ستنزل بهم.

لذلك اعتاد المسيحيون في جميع أنحاء المعمورة أن يطبخوا الحنطة في يوم عيدها ويأكلونها، ويقومون بزيارة بعضهم البعض بزي تنكري تخليداً لهذه الذكرى العظيمة عندهم، ويوقدون النار على رؤوس التلال والشوارع، تذكاراً للنار التي نزلت من السماء وأحرقت والدها الوثني الذي حمل رأسها المقطوع بيده.

  طروبارية القديسة بربارة:
   لنكرمنَّ القديسة بربارة الكلية الوقار، لأنها حطمت فخاخ العدو، ونجت منها كالعصفور بمعونة الصليب وسلاحه.

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم