عبدت الأديان القديمة الشجرة لأنها، باعتقادها، تحمل بعداً روحياً، وتمتلك قوى مقدسة: ترتفع عمودياً نحو السماء، تفقد أوراقها وتستعيدها في ترميز إلى الموت والقيامة. بذلك، هي رمز الكون في فنائه وانبعاثه.
الشجرة عند الفينيقيين :
يرى المؤرخون أن أقدم عقيدة دينية في آسيا هي تقديس الطبيعة، أي الأشجار والمياه والجبال. وكانت العبادات الكنعانية، بمجملها، تُقام عادة تحت شجرة وارفة. والى اليوم، لا نزال نجد قرب كل معبد تقريباً شجرة ظليلة. ولا يزال البعض يمارس عادات كنعانية قديمة ترسّبت في معتقداتنا وممارساتنا. على سبيل المثال، تعليق الثياب والرقع على أغصان شجرة قديمة بهدف إخصاب العاقر. فأمام مزار في أفقا للسيدة مريم العذراء يدعوها أبناء البلدة "سيدة زهرة". وقد بني المزار قرب بقايا معبد أفروديت (فينوس، عشتروت، الزهرة) ما يربط الشجرة بالآلهة المكرّمة في المقام. كما ان اللفظة السامية للسنديانة تعني "الإلهي" أو "المؤلّه".
عند العبرانيين :
ويقول التراث اليهودي إن أمكنة القرابين عند الكنعانيين والعبرانيين كانت موجودة "على كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء" (إرميا 20:2). ويقول النبي نفسه "إن خطيئة يهوذا مكتوبة بقلم من حديد بِظُفر من السامور منقوشة على ألواح قلوبهم وقرون مذابحهم، فان بينهم سيذكرون مذابحهم وعشتاروتهم عند الأشجار الخضراء على الآكام العالية" (17 :1-2). ومن هنا تُمثل الشجرة المقدسة المشهد الكونيّ.
بابل - الهند :
في بابل، كانت الشجرة تمثّل كل أشكال الشجرة الكونية: إنها مقرّ اله الخصب والعلوم الحضارية، وهي مقرّ راحة الآلهة الأم، إلهة التكاثر والخصب للماشية والزراعة. وفي الرسوم البابلية الدينية، تحيط النجوم والعصافير والتحيات بالشجرة الكونية. وكل نجمة، وعصفور، وحيّة يمتلك بُعداً كونياً محدداً.
في الهند، يمثّل التراث الهندي الكون على شكل شجرة. ويعتقد الهنود أن الكون عبارة عن شجرة مقلوبة تغرز جذورها في السماء، وتنشر أغصانها فوق الأرض كلها. وتشير الملاحم الهندية إلى هذا المفهوم الديني.
مفهوم هندي آخر يفيد أن الشجرة تمثل الكون، وتمثل وضع الإنسان في العالم. ويقال أن "قطع شجرة من جذورها يساوي إزالة إنسان من الكون".
الشجرة المقلوبة تحدّث عنها أيضاً أفلاطون، وهي موجودة أيضاً في التراث العبراني، وفي طقوس أيسلندا وفنلندا، ولدى عدد من قبائل أوستراليا. وفي تراث البلدان المجاورة للمحيط الهادئ، يتحدثون عن شجرة كونية تمتد أغصانها حتى السماء الثالثة والسماء السابعة.
عند المصريين :
وفي الديانة المصرية القديمة، نرى ان شجرة الحياة تخرج منها الأيدي الإلهية المسؤولة عن العطاء والخصب، وتسكب ماء الحياة من إناء. ونجد في عدد من الحضارات آلهة الخصب مصوّرة في شكل أشجار.
وفي أفريقيا، ترمز الشجرة إلى الأمومة الإلهية، فتقدّسها النساء، وتتضرّع اليها نفوس الموتى التائقة للعـودة إلى الحياة.
شجرة المعرفة
وردت في سفر التكوين بعض المعاني التي تحكي عن شجرة المعرفة. يقول الكتاب المقدّس إن الرب الإله منع آدم أن يأكل من ثمرها لئلا يموت. وهنا نسأل: لماذا ذكر الرب شجرة المعرفة ولم يذكر شجرة الحياة؟.. وهل هذه الشجرة مشابهة لشجرة المعرفة؟..
وهل صحيح ما يعتقده العلماء من أن شجرة الحياة مخبأة ولا يمكن آدم أن يعرف مكانها إلا بعدما يمتلك سرّ معرفة الخير والشر، أي سرّ الحكمة؟
وهو أمر يعني أن شجرة الحياة مخبأة، مثل عشبة الخلود التي بحث عنها جلجامش في عمق المحيط. وهذا المفهوم نجده أيضاً في الحضارة البابلية، حيث كان أهل بابل ينصبون على المدخل الشرقي للسماء شجرتين: شجرة الحقّ، وشجرة الحياة.
الشجرة - الصليب :
ويقول التراث المسيحي، أن خشب الصليب الذي تسمّر عليه يسوع المسيحي يقيم الموتى، وقد وجدته هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين. وتعود هذه الفضيلة إلى أن الصليب أخذت أخشابه من شجرة الحياة المغروسة في الفردوس. ويُصوّر الفن المسيحي الصليب على شكل شجرة حياة مرتفعة نحو السماء.
ويفيد التراث المسيحي أن صليب السيد المسيح يحلّ محلّ الشجرة الكونية، وهي، في المسيحية، تصعد من الأرض إلى السماوات، وهي شجرة خالدة، تنتصب في وسط الأرض والسماء، وتسند الكون على أغصانها. ويشير التراث المسيحي إلى أن شجرة الحياة مزروعة في الجلجلة. وكما أن الشجرة تصل الأرض بالسماء، هكذا يصل الصليب الإنسان بطريق الخلاص.
وفي الإسلام، هناك شجرة الجنة، وقد أطلق عليها اسم "السدر"، وهي شجرة وارفة الظلال في الجنة يتفيأ تحتها المؤمنون.
شجرة الميلاد :
في العالم أجمع يضيئون في الساحات العامة وفي المنازل أشجار الميلاد مزينة بأجمل أنواع الزينة مبشرة بقدوم المخلص، والفرح والنور المشع من أشجار الميلاد هو نور الحياة.
ربي احفظ لنا أشجارنا فهي عذارى جميلات ملكات، راجيات شاخصات مصلبات على دروب عتمة هذا الكون.