أيتها الأرثوذكسية..تعصفُ بكِ أهوجُ العواصف..وتحاربكِ اشرسُ القوات المظلمة لاقتلاعكِ من العالم..وانتزاعكِ من قلوب الناس..ارادوكِ أملاً مفقوداً..ومتحفاً مهجوراً..وماضياً مأساوياً..وتاريخاً منسياً..لكن الله القدير الكلي الحكمة يسيطر على هذه الفوضى ويحميكِ منها وردة مفتحة تفوح بعطرها ارجاء المسكونة..ويحافظ عليكِ في قلوب البسطاء..وها انتِ كما أنتِ حيَّة قوية تغذين الاجيال وتفلحين كل بقعة جرداء..وتزرعين الأمل في نفوس الضعفاء..وتباركين الحاقدين والأعداء..وتوزعين قوة وحياة ونوراً..وتفتحين للناس ابواب الابدية..قوية عتيدة ايتها الارثوذكسية  
الصفحة الرئيسية > مقالات > ثقافية واجتماعية
  العرب بين التقدم والتحول                                                                                                                 مصطفى الفقى                                                                                                                                      الحياة - 11/04/06//ايشل - كاتب مصري

لا يبدو هذا الموضوع بعيداً عن التطورات السياسية في الوطن العربي بل هو في الحقيقة جزء لا يتجزأ من جوهر هذه التطورات وبعد أساسي من أبعادها، لأن أمتنا العربية ما زالت تراوح مكانها متأرجحة بين افتقاد التقدم العلمي في جانب والمضي نحو التحول الاجتماعي في جانب آخر، ونحن نظن الآن أن الدول العربية لن تتمكن من توفير التكنولوجيا المتقدمة متجاهلة خصائص التحولات المنتظرة في المجتمعات العربية، خصوصاً أننا نمرّ حالياً بالذكرى الستمائة لرحيل مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، ذلك العربي القادم من بلده تونس والمدفون في القاهرة، لا لأنه فقط صاحب «المقدمة» أو لأنه هو الذي حدد ملامح حركة المجتمعات والانتقال من الريف إلى الحضر، وكتب في فلسفة العمران وظهور المدن، فأسهم إسهاماً لا نظير له في استكشاف البناء الحضاري ولكن لأنه أيضاً يبدو الآن كأنه يعيش بيننا اليوم بعد ستة قرون من رحيله. ولكي نوضح الرسالة التي نريد توصيلها فإننا نتطرق إلى النقاط الآتية:

- أولاً: إن العرب يعيشون في خصومة مع البحث العلمي والتقدم التكنولوجي، وبالتالي فهم لا يقدرون على التحول الاجتماعي الذي يرتبط باختلاف أنماط الحياة، وهذه نقطة جوهرية لأن التخلف الاجتماعي الذي تعاني منه معظم المجتمعات العربية يبدو في هذه المرحلة أكثر خطورة من التخلف الاقتصادي، بل وربما السياسي أيضاً، ويجب أن نعترف هنا بأن المجتمعات العربية في معظمها تزحف ببطء، ولا تحقق درجة التقدم المتوقعة لها، ويكفي أن نتذكر هنا أن حجم الليبرالية الاجتماعية في الأقطار العربية منذ عدة عقود كان أكثر منه حالياً، وهو ما يعني أن التقدم النسبي نحو الديمقراطية ارتبط بتراجع ملحوظ في حركة المجتمع إلى الأمام وهو أمر يصعب تفسيره.

ثانياً: تبدو العلاقة بين التقدم العلمي والتحول الاجتماعي في غير حاجة جديدة للإثبات، لأن التحولات الكبرى في المجتمعات الإنسانية ارتبطت بما يمكن تسميته بالثورات العلمية، فالثورة الصناعية أدت إلى تغيرات اجتماعية في أوروبا الحديثة، مثلما فعلت قبلها الثورة الزراعية بآثارها المعروفة خصوصاً في القضاء على نظام الإقطاع والتمهيد للرأسمالية بمفهومها الذي عرفته الدول الغربية بدرجات متفاوتة، ولعله من المناسب أن نؤكد هنا على الحاجة الماسة لتغيير التركيبة الاجتماعية الحالية في الدول العربية المختلفة، فالطبقة المتوسطة اختفت أو تكاد وأصبحت المجتمعات العربية بحاجة إلى التبشير بقيم جديدة وتقاليد مختلفة.

ثالثاً: لن تتحقق للدول العربية درجة الاندماج المطلوبة في حياة هذا العصر، ما لم تأخذ بأساليب حديثة تربط بين الاندفاع نحو البحث العلمي والتقــدم الاجتماعي بدرجة متـــوازنة، تسمح لها بتعزيز قوة الدولة وتماسك المجتمع ويتعين علينا أن نلاحظ هنا أن صـــورة العرب لدى غيرهم ليست إيجابيــة، حيث تظهر أكبر الثغـــرات في انتقادهم، ناشـئة عن التخلف الاجتماعي قبل غيره حتى أن نموذج صورة العربي أصبح مرتبطاً بتبديد الثروة والإقبال على الملذات، والرغبة في الحياة الهانئة بلا جهد أو عمل، وهي صورة مغلوطة وفكرة ظالمة تكاد تجعل منه عالة على حضارة العصر.

- رابعاً: تظهر الإحصاءات الدورية أن حجم الإنفاق العربي على البحث العلمي أقل من حجم الإنفاق على سلعة استهلاكية واحدة يستوردها العرب، وهي صورة مروعة خصوصاً إذا اقترنت بالتدني الواضح في حركة النشر حتى أن المقارنة السريعة بين عدد عناوين الكتب العربية ونظيرتها في الثقافات الأخرى تكشف بجلاء التفاوت الفاضح بين ما تسهم به العقلية العربية وما يسهم به غيرها في عالم اليوم.

- خامساً: يمثل الارتباط بين التكنولوجيا الحديثة والتقدم الاجتماعي علاقة طردية أساسية، لأن الاتجاه نحو البحث العلمي بجدية واقتناع تكون له نتائجه المباشرة على تحديث المجتمعات وازدهار الدول، ويكفي أن نتأمل الارتباط العكسي المفترض بين التوسع في استخدام التليفونات المحمولة وبين أزمة النقل والمواصلات كما نعرفها، فالتطورات الفكرية هي المظلة الحقيقية للتوفيق بين التقدم العلمي والتطور الاجتماعي.

- سادساً: لقد وقر في الذهن العربي أن الإصلاح عملية تحديثية تتعلق بالأخــذ بأسباب التكنولوجيا والاتجاه نحو البحث العلمي مع ثبات العناصر الأخرى، وفي مقدمتها الإصلاح السياسي والدستوري اللذان يمثلان قاطرة التقـــدم الحقيقي، فضلاً عن تغيير العقلية واستكشاف الرؤية التي تسمح لعـــملية الإصلاح بأن تكون مستمرة ودائمة، ولا تفقد قوة دفعها مع الأحداث الفكرية أو الانتكاسات القومية أو الإحباطات السياسية.

- سابعاً: إن بعض شعوب الأمة العربية التي امتلكت مقومات الثروة وتمتعت بمستويات دخل قومي ضخم، لم تدرك هي الأخرى أن مقتنيات العصر وأدواته التكنولوجية المتقدمة لا تكفي وحدها، فحيازة مفردات الحياة العصرية لا تعني التقدم المطلوب، ولا تحقق الإصلاح المنشود، وحتى ادخار الأموال واستثمارها لا يكفيان فالعبرة باستثمار العقول وتشكيل رؤية طويلة المدى لا ترتبط بوجود الثروة الطارئة أو العابرة مهما طال أمدها وفطنت بعض دول الجزيرة والخليج إلى الحقيقة، فأصبح لديها كوادر علمية مدربة تناظر مثيلاتها في دول العالم الأكثر تقدماً.

- ثامناً: تلوح في الأفق العربي أزمة حقيقية تتمثل في الفارق بين أجيال تتعامل مع التكنولوجيا الجديدة وتقتني «الكمبيوتر» وترافقه وتدمن الدخول إلى «الانترنت»، وأجيال أخرى تبدو معزولة عن هذه التطورات الكبرى وتبرر ذلك بأنه لم يعد في الأعمار قدر ما مضى منها!.. لذلك فإن التقدم العلمي والتطور التكنولوجي ليسا مصحوبين دائماً باندماج اجتماعي وتحول أخلاقي، بل على العكس تبدو الهوة قائمة حتى الآن بين مَنْ يؤمنون بالتكنولوجيا ويتعاملون معها، ومَنْ ينظرون إليها في حذر ولكن يستفيدون منها.

- تاسعاً: سيطرت نغمة الإصلاح على الفضاء العربي كله في السنوات الأخيرة، لأسباب خارجية وأخرى داخلية ولكن تلك النغمة بدأت في الخفوت عندما اكتشفت الأنظمة القائمة إمكانية إرضاء «واشنطن» بطرق أخرى بديلة مثل التمشي مع سياساتها في المنطقة، بحيث يمكن أن يكون ذلك حاجزاً يمنع عنها حدة الضغوط القادمة من القوة الأعظم وحلفائها، ولقد غاب عن هذه النظم أن صحوة الشارع الداخلي أقوى وأخطر عشرات المرات من أية ضغوط خارجية في المستقبل، خصوصاً أن المنطقة العربية مرشحة لتغييرات كبرى من خلال استقرائنا للأحداث وقراءتنا للغد المنتظر.

- عاشراً: لا ينبغى التهوين من أهمية التحول الاجتماعي، لأن معيار الحداثة في المجتمعات النامية يرتبط بالتغيير الهيكلي في البنية البشرية والتركيب الطبقي، قبل أن يرتبط بتقدم البحث العلمي أو تطور التكنولوجيا، ونحن عندما نتابع المجتمعات العربية المعاصرة نشعر بالقلق بسبب غياب درجة التوافق الطبقي أحياناً، وانعدام الانسجام الثقافي أحياناً أخرى، لاسيما أن بعض المجتمعات في عالمنا العربي لا تزال مزدوجة التكوين ومتضاربة الهوية.

... هذه قراءة عاجلة فـــي موضوع له أهميته، لأنه يقف على الحــدود المشتركة بين قضايا سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، ويمثل هاجساً جوهرياً لكل المعنيين بانتقال العالم العربي إلى قلب العصر والتفاعل معه بدلاً من التأثر به والتوقف عـــن الإسهام فيه والتباكى عليه، إن المجتمع العربي يختلف من بيئة نهرية إلى أخرى صحراوية أو خليط منهما، كما أن مشكلاته متشابهة رغم الاختلاف البيئي الذي يحكم جغرافية الخريطة العربية لذلك فإن التواكب بين التقدم في البحث العلمي والتفوق التكنولوجـــي فـــي جانب، وبين الارتقاء بمنظومة القيم الحاكمة والتقاليد السائدة في جانب آخر هو أمر له أهميته الكبرى، إذ أن صيغة الانطلاق العصري ترتكز على العامل الثقافي مثلما ترتكز على العامل الاقتصادي، واللـــذين يتوجهما إصلاح سياسي ودستوري يحمي الحريات ويـــدفع المشاركة السياسية بشكل إيجابي في كل الظروف، وهــنا أرجو ألا يتوهم البعض أن الحديث عن التحول الاجتماعي مقترناً بالتقدم العلمي هو تحليق في آفاق بعيدة عن واقعنا الحالي، بل العكس هو الصحيح لأن الأمم الصاعدة والشعوب الناهضة تعتمد على مجتمع قوي وصلب، لا تتحقق ركائزه إلا ببناء ثقافـــي يتيح الفرصة لكل فئات المجتمع في التحرك الإيجابي، بما في ذلك الشباب والمرأة ويفتح أبواب الحرية الفكرية والشفافية السياسية والرفاهية الاقتصادية والليبرالية الاجتماعية.

 

 

                                       

 

الصفحة الرئيسية  |  الكنيسة  |  آبائيات  |  دينيات  |  مقالات  |  نشاطات  |  معلومات  |  أماكن مقدسة  |  خريطة الموقع  |  أتصل بنا
© 2006-2009 الأب الكسندروس اسد. جميع الحقوق محفوظة - تصميم وتطوير اسد للتصميم