س
 

 جاورجيوس

 قسطنطين وهيلانة

  ألكسندروس وأنطونينا

      كبريانوس

النبي ايليا

 بطرس وبولس

مارينــا

رقاد السيدة

ميلاد السيدة

رفع الصليب الكريم

بيلاجيـا

 

القديس يعقوب الفارسي المقطع      

                                27/ تشرين الثاني

      ولد القديس في أواخر القرن الثالث الميلادي في مقاطعة بيت لافاط، التي أسسها شابور الأول مسكناً للعائلات العريقة، وهو ابن لوالدين مسيحيين من أهم واعرق وأغنى الأسر المسيحية الفارسية والمؤمنة، وذو قدر وافر من الوسامة والجمال وسعة وافرة في العلم والثقافة والمعرفة، ومكانة رفيعة ومرموقة لدى بهرام الخامس ابن يزدجرد الأول.

     كان يزدجرد الأول حامياً المسيحيين في المملكة، ينظر إليهم نظرة تسامح وإعجاب مما جعل الأسر المسيحية تتقدم إلى مواقع حساسة كانت وقفاً على أبناء المزديين واليهود خلال سنوات الحروب والاضطهادات، وهذا مما هيأ وساعد على تقدم يعقوب وانتظامه داخل صفوف المدرسة الملكية، حيث برع بالفروسية والمبارزة ورمي الرمح وصار مقرباً من أبناء الملوك وصديقاً حميماً لبعضهم، فأصبح الفارس المتقدم إلى أعلى المراتب في القصر الملكي والصديق الحميم للملك بهرام الخامس والمرافق المخلص له.

    سلبيات الملك أدت إلى ثورات واستنكارات من جميع الأسر العريقة وخاصة اليهودية والمزدية وألصقت أعظمها بالأسر المسيحية للتخلص من المسيحيين، مما أثار غضب الملك وحقده عليهم، وكان أعظمها استشهاد القديس يعقوب على أيدي جلاديه الأشرار لأنه رفض إنكار إيمانه بالرب يسوع رغم جميع محاولات الملك الصديق الحميم له للارتداد والإنكار والحصول على أعلى المراتب في القصر الملكي، فقرر الملك أخيراً بعد أن يئس من تصميم وإصرار يعقوب على الحفاظ على إيمانه بالرب يسوع فقرر تسليم القديس إلى الأشرار على أن يرهبوه أولاً بعذابات خفيفة وإن رفض فيتم تنفيذ الخطة إلى آخرها ومفادها تقطيعه إلى أجزاء وأجزاء ليذوق طعم الموت البطيء.

   وفي صباح السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 422م، سُلم القديس إلى أيدي جلاديه وسيق إلى المكان المحدد في زحمة المتفرجين والطفوليين وبكاء العذارى ونحيب الأمهات، حيث جلس الملك بهرام الخامس متصدراً عرشه في ساحة التعذيب محاطاً بكهنة المجوس وحاخامات اليهود وكبار التجار والصيارفة وقادة الجيوش والأمراء.

   قاد الجلادون القديس مقيدين يديه ورجليه إلى ساحة التعذيب، ووضعوا كف يده اليسرى على سندان كبير، وبإشارة من الملك قطعوا له إبهامه فصرخ بأعلى صوته: " هكذا تقلم الكرمة لكي تنمو من جديد في أوانها ".

   لم يثنه شيء رغم توسلات الجلادين والملك للرجوع عن إيمانه وإنكاره يسوع، فانهال الجلاد بسيفه على الإصبع الثاني، فهتف يعقوب: " تقبل يا رب الغصن الثاني من غرسك ".

   ثم قطع الإصبع الثالث، فراح صوت الرب يهتف من حنجرة يعقوب قائلاً: " أبارك الآب والابن والروح القدس ".

   ومع اجتثاث الإصبع الرابع، انطلق صوت عذب من القديس فقال: " يا مَنْ قبلت مديحاً من الحيوانات الأربع، اقبل ألم هذه الأصابع الأربع ".

    وكلما قطع للقديس إصبع كان إصراره يزداد على إيمانه بالرب يسوع الذي كان واقفاً بقربه يشاهد ما يفعله الأشرار به ويهيئ له إكليل المجد والظفر، وما توقفت ضربات سيوف الجلادين فقطعوا له الإصبع الخامس فأجابهم القديس وقال: " ليت فرحي يكون عظيماً كفرح العذارى الخمس العاقلات ".

    رمى الجلادون اليد اليسرى بعد أن قطعوا جميع أصابعها وأخذوا كف اليد اليمنى لتقطيعها حسب أوامر الملك الذي كان يحاول إقناع القديس ليتراجع عن إيمانه لأنه المخلص الوحيد له في المملكة، ولكن ضعف حكمه المنقاد من الأسر العريقة الأخرى انصاع إلى غيّه وشره، فكان إقناعه للقديس دون جدوى، فنفذ الجلادون أوامره حتى آخرها كما رسم له ذلك أعداءه ومبغضوه.

    وانهال الجلاد على الإصبع السادسة، فتفجرت ينابيع الحكمة من ذهن يعقوب فراح يرنم قائلاً: " المجد لك يا رب يا مَنْ مددت يديك الطاهرتين على الصليب في الساعة السادسة، وجعلتني مستحقاً أن أقدم لك أصابعي الستة ".

    وفي قطع الإصبع السابع قال لهم: " كمثل داود الذي سبحك سبع مرات في اليوم، هكذا أنا أسبحك بأصابعي السبعة المبتورة من أجلك ".

    وتحمل يعقوب الآلام المبرحة بكل صبر وإيمان ومسامحة لجلاديه متمثلاً بمعلمه الإلهي الرب يسوع الذي ذاق اشد الآلام لأجل خلاص البشرية والعالم من براثن الشيطان اللعين وتلامذته المجوس الأوثان الذين ينفذون أوامر رئيس الشيطان الملك بهرام الخامس الخادم الأمين والمخلص للشيطان اللعين، فقطعوا للقديس إصبعه الثامن فخاطب ربه يسوع المسيح قائلاً: " سيدي يسوع المسيح أسألك أن تمدني بالرجاء والصمود حتى النهاية ".

    وعند مطلع فجر اليوم الثاني كانت الإصبع التاسعة قد لحقت بالأصابع الأخرى، وكان صاحب تلك الكف المقطعة الأصابع يرنم أنشودة الشكر والألم: " في الساعة التاسعة يا رب، استودعتَ روحكَ بين يدي أبيكَ يا مسيحي، وأنا أقدم لك الشكر لألم الإصبع التاسع هذا ".

    وحين تم قطع الإصبع العاشر قال يعقوب: " أرتل لك يا رب على عود ذي عشرة أوتار وأباركك لأنك أهلتني لاحتمال قطع أصابع يدي الاثنتين، من اجل وصاياك العشر المكتوبة على ألواح الحجر ".

    وهكذا أيضاً تم قطع أصابع القدمين، وفي كل قطع كان يرنم ويصلي وينشد لربه ومخلصه يسوع المسيح، ثم قطعت اذرعه وسوقه فأصبح جثة برأس دون الأيدي والأرجل، وعُلق على خشبة ليراه الجميع، إلا أن أصوات الاستنكار والاحتجاج من المشاهدين التي علت في وجه الملك الشيطان أخافته من متابعة بقية خطة التعذيب فأمر بقطع رأسه فصلى يعقوب صلاته الأخيرة إلى ربه يسوع الذي أراد إنهاء آلامه وتقبل شهادته وقال له:

     " أيها الرب يسوع المسيح إلهي، أشكرك مع روحك القدوس لأنك وهبتني القوة على احتمال هذه الآلام من أجلك، فأسألك أن تؤهلني إلى بلوغ نهاية الجهاد بسلام، وأنا أسبح اسمك القدوس، ليس لدي يدان لأرسم بهما صليبك، ولا رجلان لأقف عليهما للصلاة إليك، ولا ركبتان لأركع عليهما ساجداً لعزتك الإلهية، فأنا مجرد جذع شجرة لا حياة فيها ولا حركة، فأتضرع إليك يا إلهي وأنا في هذا الجحيم الملتهب أن تحمل شهادتي هذه لمجد اسمك، فأنت قد صلبت حباً بنا، آمين ".

    وما أن أنهى صلاته حتى انهال سيف الجلاد فقطع هامته ونال إكليل النصر والظفر من ملكه السماوي وربه ومخلصه يسوع المسيح، وكان ذلك عصر يوم الجمعة الواقع في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 422 ميلادية.

    أيام عدة والحزن يخيم على بابل وسحب الغمام تغطي سماء المدائن، والغم والأسى يملآن الصدور، فيما غمرت بركات الغبطة صدور المؤمنين فارتفعت أصوات أجراس الكنائس مهللة ببشائر الخلاص، وراح بعض المؤمنين واشتروا من الجند الفارسي أشلاء القديس يعقوب ودفنوها بكل وقار واحترام في مدينة كرمندج (كرمان)، وفيما بعد نقلت جثته إلى مدينة روما وما زالت هناك حتى اليوم حيث دفنت بكل وقار وإجلال.

   قال الرب يسوع:

    " وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم، ويطردونكم ويسلمونكم إلى المجامع والسجون، وتساقون أمام الملوك والولاة من اجل اسمي، فيؤول ذلك لكم شهادة، فلا تهتموا لما تقولون لأني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو ينقضوها، وسوف تسلمون من الإخوة والأقرباء والأصدقاء، فيقتلون منكم، وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي، ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك، بصبركم اقتنوا أنفسكم ".(لوقا 12:21-19)

  طروبارية القديس:

شهيدكَ يا ربُ بجهادهِ

نالَ منكَ الأكاليلَ غيرَ البالي يا إلهنا

لأنه أحرز قوتكَ فحطّم المغتصبين

وسحقَ بأسَ الشياطين التي لا قوةَ لها

فبتوسلاتهِ أيها المسيحُ الإلهُ خلص نفوسَنا.