مار تقلا  الشيروبيم  مار يعقوب /لبنان        مار يعقوب/سوريا                               

دير سيدة صيدنايا البطريركي    

صيدنايا: كلمة سريانية الأصل ومعناها (سيدتنا) أو صيد دنايا

      ومعناها أيضا (أراضي أو أماكن الصيد)

يروي المؤرخون أن الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس الأول لما خرج بجيوشه لمهاجمة الفرس، مر عبر سوريا فوصل إلى صحرائها حيث نصب الجند خيامهم فيها، وما لبث أن فتك بهم العطش نظراً لقلة المياه في هذه المنطقة، وإذا بأنظار الملك تقع من بعيد على غزالة شهية للصيد فأخذ يطاردها بحماس شديد، إلا أن التعب أنهكها فوقفت على تلة صخرية ثم اتجهت باتجاه ينبوع ماء رقراق عذب، وفجأة تحولت إلى أيقونة للسيدة العذراء يشع منها نور عظيم، وخرجت منها يد بيضاء وامتدت عن بعد نحو الملك الصياد وقالت له: "كلا يا يوستنيانوس لن تقتلني..ولكنك ستشيد لي كنيسة هنا على هذه الرابية.." ثم غاب شبح الغزال.

وبعد عودة الملك من رحلته قص على معاونيه ما شاهده وأمرهم بالحال أن يوضع تصميم للكنيسة. ولما انقضت مدة ولم يتمكن المهندسون خلالها من وضع التصميم، عادت العذراء وظهرت ليوستنيانوس في الحلم وأرشدته إلى تصميم فخم، ويقال أن هذا الرسم يمثل نفس الهندسة التي بني عليها هذا الدير الشريف الذي لا يزال حتى اليوم محتفظاً بعظمته وجماله البيزنطي.

يحتل الدير المركز الثاني في الأهمية بعد القدس الشريف من حيث كثرة الزوار للاماكن الدينية في الشرق وتزداد شهرته اتساعاً بما تعمله السيدة العذراء من عجائب نحو الجميع من أي دين وعقيدة كانوا.

يوجد في الدير أيقونة السيدة العذراء وهي إحدى النسخ الأصلية للأيقونات الأربعة التي رسمها بيده القديس لوقا الرسول والإنجيلي، وتلقب بالسريانية "شاغورة أو شاهورة" ومعناها   "الذائعة الصيت" أو "الشهيرة" كما يوجد بضعة أيقونات فنية للعذراء وغيرها يرجع عهدها للقرن الخامس والسادس والسابع الميلادي.

والدير مؤسسة رهبانية أرثوذكسية تابع لبطريركية الروم الأرثوذكس في دمشق، وفيه عدد كبير من الراهبات ترعاهن رئيسة، وللدير أملاك مبنية في بلاد الشرق، كما يؤمه آلاف الزائرين من جميع أنحاء العالم، ويحتفل بعيد الدير يوم الثامن من أيلول من كل سنة وهو عيد ميلاد السيدة العذراء.

 يقع الدير على رابية عالية جميلة تشرف على قرية صيدنايا، وفيه مكتبة تضم المئات من الكتب المخطوطة الثمينة التي يتبين منها أن عهد بناء الدير يرجع إلى حوالي سنة (547) ميلادية.

أيقونة الشاغورة المقدسة أُدخلت إلى الدير بعد زمن طويل من بنائه، ويروى أن راهباً حاجاً ربما كان يونانياً كان يقصد زيارة الأماكن المقدسة في أورشليم، فمر بسوريا وبات ليلته في الدير فكلفته الرئيسة بأن يشتري لها من القدس أيقونة جميلة ونفيسة لسيدة العذراء، فلما وصل إلى فلسطين نفذ إرادة الرئيسة، وأثناء عودته مع القافلة فوجئ بهجوم وحوش ضارية ثم بلصوص قتلة، وكان خلال هذه المخاطر الهائلة يستنجد بحماية العذراء وهو يحمل أيقونتها العجائبية، فنجا من تلك الأهوال مع جميع مرافقيه.

ولما وصل الدير اعتذر من الرئيسة ونكر عليها الأيقونة طامعاً باستحواذها، وعندما أراد السفر إلى بلاده شعر بأن قوة غير منظورة تحول دون خروجه من باب الدير، وبعد عدة محاولات فاشلة لم يرَ بداً من تسليم الأيقونة إلى الرئيسة معترفاً بأنه كان مصمماً على الاحتفاظ بها لأنها كانت سبب نجاته من الموت المحتم، وهكذا بقيت الأيقونة المقدسة في الدير حتى يومنا هذا موضع تكريم وإجلال لدى الجميع.

وقد شُيّدت فيما بعد كنائس عديدة أخرى من نذور وتبرعات الملوك والرؤساء والأغنياء الأرثوذكس، إلا انه لم يبقَ منها إلا القليل.

 اسطحة وقباب الدير تروى عنها أخبار وأعاجيب شبيهة بالتي كنا نسمعها ونقرأها عن أبراج القسطنطينية عندما كانت تقام حولها الزياحات والصلوات أثناء الحروب والأوبئة والكوارث التي كانت تنزل بالمسيحيين في بيزنطة القديمة.

وليومنا هذا يوجد في قريتي جبعدين وبخعة القريبتين من صيدنايا بعض السكان الذين يتكلمون السريانية وهي اللغة الأصلية لتلك المقاطعة السورية الداخلية.

يحتفل الدير بعيد ميلاد والدة الإله العذراء مريم في 8/أيلول من كل عام وهو العيد الرسمي للدير، ويؤمه المؤمنون من كل حدب وصوب للتبرك والاشتراك في الصلوات الخاصة بهذا العيد التي يترأسها غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في دمشق ولفيف من الأساقفة والكهنة.